[ ص: 267 ] 974 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : أي المسلمين جلدته ، أو لعنته ، أو سببته ، فاجعل ذلك له زكاة وقربة .
6001 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا أبو عوانة ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة . عن عائشة - رضي الله عنها - أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إنما أنا بشر ، فأيما رجل من المسلمين شتمته ، أو آذيته ، فلا تعاقبني به .
[ ص: 268 ]
6002 - وحدثنا الربيع الجيزي ، حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد الحجري ، أخبرنا حيوة بن شريح ، حدثنا أبو الأسود ، أنه سمع عروة بن الزبير يقول : سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألاه فلم يعطهما شيئا ، ثم سألاه فلم يعطهما ، ثم سألاه فسبهما ، [ ص: 269 ] ولعنهما ، فدخل ووجهه محمر يبين فيه الغضب ، فقلت : لقد خاب الرجلان ، وهلكا لم يصبهما منك شيء ، ولعنتهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني عهدت إلى ربي عهدا ، فقلت : يا رب ، إني بشر أغضب كما يغضب البشر ، فأي المؤمنين سببت ، أو لعنت ، فلا تعاقبه بها ، ولا تعذبه ، واجعلها له زكاة وأجرا .
6003 - وحدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق .
[ ص: 270 ] عن عائشة : قالت دخل على النبي صلى الله عليه وسلم رجلان ، فخلوا به فسبهما ولعنهما ، وأخرجهما ، فقلت : يا رسول الله ، ما أصاب منك خيرا كما أصابه هذان . قال : أوما علمت ما شارطت عليه ربي عز وجل ؟ قلت : اللهم إنما أنا بشر ، فأيما رجل من المسلمين سببته ، أو لعنته ، فاجعلها له زكاة وأجرا .
6004 - وحدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا ابن جريج ، أخبرنا أبو الزبير .
أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما أنا بشر ، وإني اشترطت على ربي عز وجل : أيما عبد من المسلمين سببته أو شتمته أن يكون ذلك له كفارة وأجرا .
[ ص: 271 ]
6005 - وحدثنا بكار بن قتيبة ، وإبراهيم بن مرزوق جميعا قالا : حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة .
حدثني أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني اشترطت على ربي عز وجل ، فقلت : إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر ، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة تقربه منك يوم القيامة .
6006 - وحدثنا أبو أمية ، وإبراهيم بن أبي داود قالا : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عبد الرحمن الأعرج
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما مسلم لعنته ، أو [ ص: 272 ] شتمته ، فاجعلها له صدقة ورحمة .
6007 - وحدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا عارم أبو النعمان ، حدثنا حماد بن زيد ، ثم ذكر بإسناده مثله إلا أنه قال : إما صلاة ، أو رحمة .
[ ص: 273 ]
6008 - وحدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، أخبرني سعيد بن المسيب .
عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم فأيما عبد مؤمن سببته ، فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة .
6009 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن الهجري قال : سمعت أبا عياض .
أنه سمع أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اللهم إنما أنا بشر ، أغضب كما يغضب البشر ، وأرضى كما يرضى البشر ، فأيما مسلم لعنته في غير كنهه ، فاجعلها له صلاة وأجرا .
6010 - وحدثنا محمد بن النعمان ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج .
[ ص: 274 ] عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني متخذ عندك عهدا لن تخفره ; أيما رجل من المسلمين آذيته ؛ جلده ، شتمته ، لعنته ، فاجعلها له صلاة ، وزكاة ، ودعاء له . قال أبو الزناد : وهي لغة أبي هريرة ، وإنما هي جلدته .
6011 - وحدثنا ابن أبي داود ، حدثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، حدثنا السميط ، عن أبي السوار ، يحدثه أبو السوار
عن خاله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ، والناس يتبعونه ، فاتبعته معهم ، فاتقى القوم بي ، فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني إما قال : بعسيب ، أو بقضيب ، أو سواك ، أو شيء كان معه ، فوالله ما أوجعني ، وبت ليلة ، وقلت : ما ضربني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لشيء أعلمه الله عز وجل في ، فحدثتني نفسي أن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبحت قال : فنزل جبريل صلوات الله عليه على النبي ، فقال : إنك راع ، فلا تكسر قرون رعيتك قال : فلما صلى الغداة ، أو قال : أصبحنا قال النبي صلى الله عليه وسلم إن ناسا يتبعوني ، وإني لا يعجبني أن يتبعوني ، اللهم فمن ضربت [ ص: 275 ] أو سببت ، فاجعلها له كفارة وأجرا ، أو قال : مغفرة ، أو كما قال .
6012 - وحدثنا أبو أمية ، حدثنا عارم ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، ثم ذكر بإسناده مثله .
وقد كان أبو يوسف يقول في هذه الآثار : إنها دليل على أن الرجل إذا قال للرجل أعتق أي عبيدي شئت . أن له بذلك القول أن يعتقهم كلهم ، وأن أي قد تكون على جميعهم ، كما كان قول النبي صلى الله عليه وسلم : أي المسلمين فعلت به ما ذكر على من يفعل به ما في هذه الآثار .
حدثنا بذلك من قوله : سليمان بن شعيب ، عن أبيه عنه . وقد كان محمد بن الحسن يخالفه في ذلك ، ويرى في هذا أن ما يكون على واحد من عبيد القائل لا على جميعهم .
حدثنا بذلك من قوله محمد بن العباس ، عن علي بن معبد عنه ، ويحتج له في ذلك بأشياء قد جاء بها القرآن ، وجاءت في الآثار على لسان العرب .
[ ص: 276 ] فأما ما جاء به القرآن منها ; فقوله عز وجل في قصة أصحاب الكهف : فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما . فكان ذلك على واحد من الطعام لا على كل الطعام .
ومن ذلك قوله عز وجل في قصة موسى صلوات الله عليه : أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي . و" ما " صلة ، فكان ذلك على واحد من الأجلين ، لا عليهما جميعا ، في أمثال لذلك من القرآن ، وأما ما جاءت به الآثار مما يدل على ذلك .
6013 - فبما حدثنا محمد بن الحارث بن صالح المخزومي المدني ، وإبراهيم بن أبي داود جميعا قالا : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، حدثنا إبراهيم بن سعد الزهري ، عن أبيه ، عن جده قال : قال عبد الرحمن بن عوف : لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع ، فقال لي سعد بن الربيع : إني أكثر الأنصار مالا ، فأقسم لك نصف مالي ، وأي زوجتي هويت نزلت لك عنها ، فإذا حلت تزوجتها . فقال له عبد الرحمن بن عوف : لا حاجة لي في ذلك ، ولكن هل من سوق فيه تجارة ؟ قال : سوق قينقاع ، فغدا إليه عبد الرحمن ، فأتى بأقط وسمن ، قال : ثم تابع الغد ، فما لبث أن جاء وعليه أثر صفرة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجت ؟ قال : نعم قال : ومن ؟ قال : امرأة من الأنصار قال : وكم سقت إليها ؟ قال : زنة [ ص: 277 ] نواة من ذهب ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أولم ولو بشاة .
6014 - وما قد حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني الليث بن سعد ، عن حميد الطويل .
عن أنس بن مالك قال : لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة مهاجرا ، آخى بينه - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبين سعد بن الربيع الأنصاري ، فبات عنده تلك الليلة ، فلما أصبح قال له سعد : مرحبا بك ، وأهلا يا أخي ، إني من أحسن الأنصار امرأتين ، وأفضله حائطين ، فانظر إلى امرأتي ، فأيتهما كانت أحلى في عينك فارقتها ثم تزوجها ، فإن قومها لا يخالفوني ، وخذ حائطي اللذين هما بالسافلة ، فإنه أعجب إلي من حائطي اللذين هما بالعالية ، فقال له عبد الرحمن : بارك الله [ ص: 278 ] لك في أهلك ، ومالك ، أرشدني إلى السوق ، فذهب إلى السوق ، فانقلب منه بنصف مد ربحا ، ثم جعل يختلف إلى السوق ، حتى كسب زنة نواة من ذهب ، فتزوج بها امرأة ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : تزوجت ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : كم سقت إليها ؟ قال : زنة نواة من ذهب . قال : أولم بشاة .
فكان قول سعد لعبد الرحمن : أي زوجتي هويت نزلت لك عنها [ ص: 279 ] لم يكن ذلك على زوجتيه جميعا ، وإنما كان على إحداهما ، فمثل ذلك قول الرجل : أعتق أي عبيدي شئت . يكون ذلك على واحد من عبيده ، لا على جميعهم .
فاحتجنا إلى حكم الوقوف على حكم "أي" في هذين المعنيين اللذين ذكرناهما ، فكانت في الآثار التي بدأنا بذكرها في هذا الباب على من لا يحصى عدده ، ولا يوقف على عدده ، ولا يتهيأ استعمالها في أهله ، حتى لا يبقى منهم أحد ، وكانت في الفصل الثاني منهما على ما عدده معلوم ، وعلى ما قائلها فيه قادر على جميعه ، فعقلنا بذلك أنها على ما لا يحصى عدده ، وعلى ما لا يقدر على الإتيان على كله يكون على ما استعملت مما استعملها المقول له على ما قيلت له ، وأنها فيما يحصى عدده ، ويوقف على مقداره ، فيكون على واحد من الجنس المذكور فيه لا على أكثر من ذلك ، كما قال محمد بن الحسن فيه ، وبالله التوفيق .


