[ ص: 384 ] 770 - باب بيان مشكل ما روي فيما كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحرم من غزو لأعدائه ، أو ترك لذلك حتى تنقضي .
4879 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا ليث بن سعد ، قال : حدثنا أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام ، يحسبه أبو الوليد ، قال : إلا أن يغزى ، فإذا حضر قام حتى ينسلخ .
4880 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا المقدمي ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : حدثني الحضرمي ، عن أبي السوار ، عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطا ، وبعث عليهم [ ص: 385 ] أبا عبيدة ، أو عبيدة بن الحارث رضي الله عنهما ، فلما مضى لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وبعث عبد الله بن جحش وكتب له كتابا ، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا ، وقال : لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير ، فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع ، وقال : سمعا وطاعة لله - عز وجل - ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، فخبرهم الخبر ، وقرأ عليهم الكتاب ، فرجع منهم رجلان ومضى بقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب ، أو من جمادى ، فقال المشركون للمسلمين : قتلتم في الشهر الحرام ، فأنزل الله - عز وجل - : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ، وقال المشركون : إن لم يكن وزر لم يكن لهم أجر ، فأنزل الله : إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله إلى آخر الآية .
[ ص: 386 ]
4881 - وحدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي ، قال : حدثنا الحضرمي ، عن أبي السوار يحدثه أبو السوار ، عن جندب بن عبد [ ص: 387 ] الله البجلي ، ثم ذكر مثله سواء .
فقال قائل : ففي هذا الحديث ، تحريم القتال في الشهر الحرام لمن لم يقاتل وأنتم تروون عن غير واحد من المتقدمين خلاف ذلك ، وتتابعونهم عليه .
وذكر ما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن ابن المسيب ، واستفتيته هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام ؟ فقال ابن المسيب : نعم ، قال بكير : وقال ذلك سليمان بن يسار .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن ذلك الحكم منسوخ بما نزل في سورة براءة .
كما قد حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، قال : حد الله - عز وجل - للذين عاهدوا رسوله صلى الله عليه وسلم أربعة [ ص: 388 ] أشهر يسيحون فيها حيث شاؤوا ، وحد لمن ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم خمسين ليلة فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ، فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام ، ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق ، وأذهب الميقات وأذهب الشرط الأول ، ثم قال : إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ، يعني أهل مكة فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ، وقوله : وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ، قوله : إلا : القرابة ، والعهد : الذمة ، فلما نزلت براءة انتقضت العهود وقاتل المشركين حيث وجدهم ، وقعد لهم كل مرصد حتى دخلوا في الإسلام فلم يؤو به أحد من العرب بعد براءة .
[ ص: 389 ] فدل هذا الحديث على أن العهود كلها انقطعت بما تلونا في سورة براءة ، وحل القتال في الزمان كله ، وحملنا على قبول رواية علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس وإن كان لم يلقه ; لأنها في الحقيقة عنه عن مجاهد وعكرمة ، عن ابن عباس .
ولقد حدثني علي بن الحسين القاضي ، قال : سمعت الحسين بن عبد الرحمن بن فهد يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول بمصر : كتاب معاوية بن صالح في التأويل لو دخل رجل إلى مصر فكتبه ، ثم انصرف به ، ما رأيت رجليه ذهبت باطلا ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .


