[ ص: 353 ] 698 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر ، هل له وقت معلوم لا يصلى إلا فيه وإن لم يصل فيه لم يصل بعده ؟ أو هل الدهر له وقت ؟
4491 - حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، حدثنا أبو هبيرة أن أبا تميم عبد الله بن مالك الجيشاني أخبره أنه سمع عمرو بن العاص يقول : أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله تعالى قد زادكم صلاة ، فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح ، الوتر الوتر ، ألا إنه أبو بصرة الغفاري . قال أبو تميم : فكنت أنا وأبو ذر قاعدين ، فأخذ أبو ذر بيدي ، فانطلقنا إلى أبي بصرة ، فوجدناه عند الباب الذي يلي دار عمرو بن العاص ، فقال أبو ذر : يا أبا بصرة ، أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله زادكم صلاة ، فصلوها فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر ، الوتر الوتر " ؟ فقال أبو بصرة : نعم ، قال : أنت سمعته ؟ قال : نعم ، قال : أنت سمعته ؟ قال : نعم .
[ ص: 354 ] فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا فيه مما حكاه عمرو بن العاص عن الرجل الذي حكاه عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله عز وجل قد زادكم صلاة ، فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح ، الوتر الوتر " ، فاحتمل قوله : " إلى صلاة الصبح " أن يكون أراد بذلك نفس الصلاة ، وبين الصلاة وبين طلوع الفجر مدة من الزمان ، واحتمل أن يكون ذلك إلى وقت صلاة الصبح الذي هو بعقب صلاة العشاء ، ثم كان ما خاطب به أبو ذر أبا بصرة : أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله قد زادكم صلاة ، فصلوها فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر ، الوتر الوتر " ؟ وكان في ذلك ما قد كشف المعنى الذي احتمل كل واحد من الوجهين الأولين ، وأنه على طلوع الفجر ، لا على نفس صلاة الصبح .
ثم نظرنا ، هل نجد هذا الحديث عن عبد الله بن هبيرة من غير هذا الوجه الذي جئنا به منه . ؟
4492 - فوجدنا هارون بن كامل قد حدثنا قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا سعيد بن يزيد يعني [ ص: 355 ] أبا شجاع الحميري ، حدثني ابن هبيرة ، عن أبي تميم الجيشاني أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم الجمعة فقال : إن أبا بصرة حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله تعالى زادكم صلاة وهي الوتر ، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر " ، قال أبو تميم : فأخذ بيدي أبو ذر ، فسار في المسجد إلى أبي بصرة ، فقال : أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال عمرو ؟ قال أبو بصرة : نعم ، أنا سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال أبو جعفر : فكان الذي في هذا من قوله فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر قد يحتمل أن يكون أراد به نفس الصلاة ، أو يكون أراد به وقت الصلاة ، فنظرنا في ذلك ، هل نجد شيئا من ذلك في غير هذا الحديث . ؟
4493 - فوجدنا يونس قد حدثنا قال : أخبرنا ابن وهب ، حدثني ابن لهيعة والليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الله بن راشد الزوفي ، عن عبد الله بن أبي مرة ، عن خارجة بن حذافة العدوي أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله تعالى قد أمركم بصلاة خير لكم من حمر النعم ، ما [ ص: 356 ] بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ، الوتر الوتر .
4494 - ووجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، [ عن ] الليث بن سعد ، ثم ذكر بإسناده مثله .
[ ص: 357 ] وكان في هذا الحديث ما قد وقفنا به على ما قطع الإشكال عنا فيما احتمله الحديثان الأولان اللذان ذكرنا . ثم نظرنا ، هل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب غير هذه الآثار ؟
4495 - فوجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، حدثنا معاوية بن سلام ، حدثنا يحيى يعني ابن أبي كثير ، عن أبي نضرة العوقي قال : إن أبا سعيد الخدري قال : إنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر ، فقال : أوتروا قبل الصبح .
[ ص: 358 ]
4496 - ووجدنا محمد بن علي بن داود قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بادروا الصبح بالوتر .
4497 - ووجدنا محمد بن علي قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا يحيى بن زكريا ، عن عاصم ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
4498 - ووجدنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قد حدثنا قال : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، [ ص: 359 ] أخبرني سليمان بن موسى ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر ، فأوتروا قبل الفجر .
وكان حديث ابن عمر هذا أكشف ما وجدناه في هذا الباب لوقت الوتر الذي أمر أن يصلى فيه .
4499 - ووجدنا أبا أمية قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : متى توتر ؟ " قال : من أول الليل . وقال لعمر : " متى توتر ؟ " قال : من آخر الليل ، [ ص: 360 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : " أخذت بالحزم " ، وقال لعمر : " أخذت بالقوة .
ثم نظرنا فيما روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .
فوجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا قال : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثني أبي ، عن الأعمش ، حدثني أبو إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة أن عليا رضي الله عنه قال له رجل : إني سألت أبا موسى عن الوتر ، فقال : إذا أذن المؤذن فلا وتر ، فقال علي : أغرق النزع ، وأفرط في الفتيا ; الوتر فيما بين الصلاتين .
[ ص: 361 ] فأما قول أبي موسى : إذا أذن المؤذن فلا وتر . فقد يحتمل أن يكون ذلك على أذان كانوا يؤذنونه في الليل قبل طلوع الفجر ، ويحتمل أن يكون على أذان كانوا يؤذنونه بعد طلوع الفجر ، وأما [ قول ] علي : الوتر فيما بين الصلاتين . ففي ذلك إثباته الوتر بعد طلوع الفجر ونفيه أن يكون بعد صلاة الفجر ، وقد يحتمل أن يكون أراد بالوتر الوتر الذي له فضل الوتر ، ويحتمل أن يكون على الوتر الذي لا يصلى إلا في ذلك الوقت ولا يصلى بعده .
ووجدنا هارون بن كامل قد حدثنا قال : حدثنا نعيم ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود بن هلال ، عن ابن مسعود قال : الوتر ما بين صلاة العشاء إلى الفجر .
[ ص: 362 ]
ووجدنا فهدا قد حدثنا قال : حدثنا - فذكر أحد الرجلين ; إما أبا غسان ، وإما أحمد بن يونس ، قال أبو جعفر : أنا أشك - قال : حدثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود بن هلال ، عن عبد الله مثله .
ووجدنا هارون قد حدثنا قال : حدثنا نعيم ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا مالك بن مغول ، عن أبي حصين ، عن الأسود ، عن عبد الله مثله .
ووجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال : حدثنا وهب بن جرير ، [ ص: 363 ] حدثنا شعبة ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه قال : أقيمت الصلاة ، فانتظرنا عمرو بن شرحبيل ، وكان إمامهم ، فقال : إني كنت أوتر ، ثم قال : سئل عبد الله : هل بعد الأذان وتر ؟ قال : نعم ، وبعد الإقامة .
ففي هذا ما قد دل على أن الوتر كان عند عبد الله بن مسعود جائزا بعد الإقامة ، وفي ذلك ما قد دل على أنه مطلق في الزمان كله . ثم رجعنا إلى ما يقوله أهل العلم الذين تدور عليهم الفتيا في الأمصار ، فوجدناهم على قولين ; منهم من يقول : إنه يقضيه في سائر الدهر كما يقضي ما سواه من الصلوات الفائتة ، ومن القائلين بذلك أبو حنيفة وأصحابه . وقائلين منهم يقولون : إنه يصليه فيما بينه وبين صلاة الفجر ، ولا يصليه بعد ذلك ، ومن القائلين بذلك : مالك والشافعي .
ولما اختلفوا في ذلك هذا الاختلاف ، نظرنا فيما اختلفوا فيه ، فوجدنا الصلوات التي تقضى إذا فاتت على ضربين ; فضرب منها الدهر له وقت ، وهو الصلوات الخمس ، تصلى في أوقاتها ، وتقضى بعد أوقاتها في سائر الدهر غير الأوقات التي لا يصلى أمثالها فيه ، وضرب منها صلاة الجمعة ، تصلى في وقت خاص من يومها ، ومن فاتته أن يصليها في ذلك الوقت من يومها لم يصلها بعد ذلك في بقية يومها ولا فيما بعده من الزمان ، وكان الوتر لا يخلو من أحد وجهين ; أن يكون كالصلوات الخمس يقضى في سائر الدهر كما تقضى ، أو يكون [ ص: 364 ] كالجمعة لا تصلى إلا في الوقت الذي جعل وقتا لها لا تصلى فيما بعده من قريب الزمان ولا من بعيده ، ولما وجدناه يصلى بعد خروج الليل الذي جعل وقتا له فيما قرب منه ، عقلنا بذلك أنه في حكم الصلوات الخمس في الوقت الذي يقضى فيه ، وأن الدهر كله له وقت ، فإنه يصلى في بعيده كما يصلى في قريبه ، والله نسأله التوفيق .


