[ ص: 203 ] 890 - باب بيان مشكل مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لأبي بكرة لما ركع دون الصف ، وقد حفزه النفس : زادك الله حرصا ، ولا تعد
5575 - حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو عمر الضرير ، أخبرنا حماد بن سلمة ، أن زياد الأعلم أخبرهم ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، قال : جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم راكعا ، وقد حفزني النفس ، فركعت دون الصف ، ثم مشيت إلى الصف ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ، قال : أيكم الذي ركع دون الصف ؟ قال أبو بكرة : قلت أنا . قال : زادك الله حرصا ولا تعد .
[ ص: 204 ] [ ص: 205 ]
5576 - وحدثنا الحسين بن الحكم الحبري ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، ثم ذكر بإسناده مثله .
فتأملنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة : لا تعد ، فوجدنا بعض الناس قد حمله على أن لا يعود إلى السعي إلى الصلاة الذي كان منه حتى حفزه النفس . ووجدنا بعضهم قد حمله على نهيه إياه أن يركع دون الصف حتى يأخذ مقامه من الصف . ووجدنا مما قد روى هذا المعنى بعينه .
5577 - مما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا المقدمي ، حدثني عمر بن علي ، حدثنا ابن عجلان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتى أحدكم الصلاة ، فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف .
[ ص: 206 ] وكان المعنيان جميعا مما يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرادهما جميعا بقوله لأبي بكرة : ولا تعد ، والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ذلك .
فقال قائل : أفتكرهون الركوع دون الصف ؟ وقد روي عن زيد بن ثابت أنه كان يفعل ذلك ، وذكر .
ما قد حدثنا يونس ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل ، قال : رأيت زيد بن ثابت دخل المسجد ، والناس ركوع ، حتى إذا أمكنه أن يصل الصف وهو راكع فركع ، ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف .
وما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني مالك ، وابن أبي [ ص: 207 ] ذئب ، عن ابن شهاب ، ثم ذكر بإسناده مثله .
وما قد حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا ابن أبي الزناد ، أخبرني أبي ، عن خارجة ، أن زيد بن ثابت كان يركع على عتبة المسجد ووجهه إلى القبلة ، ثم يمشي معترضا على شقه الأيمن ، ثم يعتد بها إن وصل إلى الصف أو لم يصل .
قلنا له : نحن نكره الركوع دون الصف للواحد ولا نكرهه للجماعة ، لأن الواحد يكون بذلك كالمصلي وحده في صف ، وذلك مما قد قيل فيه ما قيل من فساد الصلاة معه ومن جوازها على الكراهة لذلك ، وهكذا كان محمد بن الحسن يقول في ذلك ، مما لم يحك فيه خلافا بينه وبين أحد من أصحابه .
وكما حدثنا محمد بن العباس ، عن علي بن معبد ، عن محمد بن الحسن رحمه الله .
وقد روي عن عبد الله بن مسعود ركوعه دون الصف أيضا مع غيره .
[ ص: 208 ]
كما حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، حدثنا يحيى بن عيسى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن زيد بن وهب ، قال : دخلت المسجد أنا وابن مسعود ، فأدركنا الإمام وهو راكع فركعنا ، ثم مشينا حتى استوينا في الصف ، فلما قضى الإمام الصلاة ، قمت لأقضي ، فقال عبد الله : قد أدركت الصلاة .
وكما حدثنا فهد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا بشير بن سلمان ، حدثنا سيار أبو الحكم ، عن طارق ، قال : كنا مع ابن مسعود جلوسا ، فجاء آذنه ، فقال : قد قامت الصلاة ، فقام وقمنا ، ودخلنا المسجد ، فرأى الناس ركوعا في مقدم المسجد ، فكبر وركع ومشى وفعلنا مثلما فعل .
فكان الذي فيما روينا عن عبد الله : أنهم قد كانوا جماعة ، وقد يحتمل أن يكون زيد بن ثابت في فعله ما قد فعل مما رويناه عنه في [ ص: 209 ] هذا الباب قد كان مع غيره ممن يريد ما يريد ، وكانوا بذلك جماعة ، والله أعلم بحقيقة الأمر كان في ذلك ، غير أنه لا يجب أن يحمل ما كان منه على خلاف ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة دون الصف ، وهذا أحسن ما وقفنا عليه من تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة لما كان منه ما قد روينا عنه في حديثه الذي رويناه عنه في هذا الباب ، وبالله التوفيق .


