[ ص: 42 ]
799 - باب بيان مشكل ما روي عن البراء من قوله : كان ركوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيامه ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وسجوده ما بين السجدتين قريبا من السواء
سمعت بكار بن قتيبة ، يقول : لما حملت من البصرة لما حملت له ، فقدمت الحضرة ، وكان القاضي بها يومئذ جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، فصلى بنا صلاة العصر ، فقام فلم يكد يركع ، ثم ركع ، فلم يكد يرفع ، ثم رفع ، فلم يكد يسجد ، ثم سجد ، فلم يكد يرفع ، ثم رفع ، فلم يكد يسجد ، ثم سجد ، ففعل في سجدته الثانية كما فعل في سجدته الأولى ، ثم جلس ، فلم يكد يسلم ، وامتثل ذلك في بقية صلاته ، حتى خفت أن يخرج وقت العصر ، فلما فرغ من صلاته أتيته ، فسألني عن أحوالي ، فأخبرته ولم أصبر ، فقلت له : أيها القاضي ، لقد خفت غروب الشمس قبل أن تقضي صلاتك ، فعن من أخذ القاضي هذه الصلاة ؟ فقال لي : يا أبا بكرة ، سبحان الله ، أو يذهب هذا عنك ؟ أخذتها من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له : ومن روى لك أن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت هكذا ؟
5039 - قال لنا بكار : فذكر ما قد حدثناه أبو داود ، قال : حدثنا المسعودي ، عن الحكم ، قال : قلت لعبد الرحمن بن أبي ليلى : ما [ ص: 43 ] رأيت أحدا أطول قياما من أبي عبيدة في الصلاة ، فقال : سمعت البراء بن عازب ، يقول : كان ركوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعه رأسه من الركوع ، وسجوده ، ورفعه رأسه من السجود ، سواء .
فقلت له : وأي حجة لك في هذا ؟ وقد يحتمل أن يكون هذا القول من البراء على إرادته به أن ركوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعه رأسه من الركوع ، وسجوده ، ورفعه رأسه من السجود سواء ، على أن ما بعد الركوع من الأشياء التي ذكرها في حديثه بجملتها تفي بالقيام والركوع ، ويدل على أن هذا الاحتمال أولى مما حملته أنت عليه ، أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتخفيف في الصلاة لمن أم الناس .
5040 - وذكرت له ما قد حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا المسعودي ، قال : حدثني ابن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن عثمان بن أبي العاص - وما رأيت ثقفيا أفضل منه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أم الناس فليخفف بهم الصلاة ، فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة .
[ ص: 44 ] وقد أجاد أبو بكرة - رضي الله عنه - فيما حاج به جعفرا من هذا ، وفي هذا الباب آثار كثيرة غنينا عن ذكرها في هذا الباب بما قد ذكرناه منها فيه عن بكار .
قال أبو جعفر : وقد روى حديث البراء عن الحكم ، من هو أثبت من المسعودي ، وهو شعبة بن الحجاج .
5041 - كما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : لما ظهر مطر بن ناجية على الكوفة ، أمر أبا عبيدة أن يصلي بالناس ، فكان أبو عبيدة يطيل الركوع ، وإذا رفع أطال القيام قدر ما يقول هذا الكلام : اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد .
فذكرت ذلك لابن أبي ليلى ، فحدثني عن البراء بن عازب : أن [ ص: 45 ] ركوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيامه ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وسجوده وما بين السجدتين كان قريبا من السواء .
فعقلنا بذلك أن إطالة أبي عبيدة التي روى البراء لابن أبي ليلى فيها ما رواه له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ، إنما كان مقدارها اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ، وكان ما سوى ذلك في صلاته من الركوع ومن السجود ومن الجلوس بين السجدتين مقدار كل جنس منها هذا المقدار ، سوى اللازم في الجلوس من التشهد الذي قد علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس ، وفي ذلك ما قد دل على ضد ما ظنه جعفر ، وتأول هذا الحديث عليه ، وبما قد ذكرنا من التخفيف من الإمام في الصلوات التي أم فيها الناس ، كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده - رضوان الله عليهم - اقتداء به وتمسكا بسنته .
كما حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن المنهال ، قالا : حدثنا أبو الأشهب ، عن أبي رجاء العطاردي ، قال : [ ص: 46 ] قلت للزبير بن العوام - رضي الله عنه - : ما لي أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة ؟ فقال : نبادر الوسواس .
قال أبو جعفر : يعني بذلك الذي يوسوسه لهم الشيطان ، فأمروا بالتخفيف في الصلاة للمبادرة لذلك الوسواس حتى لا يدركهم فيها ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .


