فصل 
من عليه قصاص إذا قتله أجنبي  ، لزمه القصاص كما سبق ، ويكون هذا القصاص لورثته ، لا لمن كان يستحق القصاص عليه ، قال  البغوي     : فلو عفا ورثته عن القصاص على الدية ، فالدية للورثة على الصحيح . 
وقيل : لمن له القصاص ، كما إذا قتل المرهون تكون قيمته مرهونة ، وهو ضعيف ، وأما إذا بادر أحد ابني المقتول الحائزين ، فقتل الجاني بغير إذن الآخر  ، فينظر أوقع ذلك قبل عفو أخيه أم بعده ؟ الحالة الأولى : إذا قتله قبل العفو ، ففي وجوب القصاص عليه ، قولان . 
أظهرهما : لا يجب ، لأن له حقا في قتله ، فصار شبهة ، والقولان فيما إذا قتله عالما بالتحريم ، فإن جهل ، فلا قصاص بلا خلاف ، الحالة الثانية : أن يقتله بعد العفو ، فإن علم العفو ، وحكم الحاكم بسقوط القصاص عن الجاني ، لزمه القصاص قطعا ، وإن لم يحكم به ، لزمه أيضا على المذهب . 
وقيل : لا ، لشبهة اختلاف العلماء ، وإن جهله ، فإن قلنا : لا قصاص إذا علمه ، فهنا أولى ، وإلا فوجهان ، ولو قتله العافي ، أو عفوا ، ثم قتله أحدهما ، لزمه القصاص قطعا . 
التفريع على الحالة الأولى ، فإذا أوجبنا القصاص على الابن المبادر ، وجبت دية الأب في تركة الجاني ، وكانت بينهما نصفين ، وإن عفا مجانا ، أو أطلق العفو ، وقلنا : العفو المطلق لا يوجب الدية ، أخذها الأخوان . 
وإن عفا على الدية ، أو أطلق وجعلنا المطلق موجبا للدية ، فللأخ الذي لم يقتل نصف الدية في تركة الجاني ، وللمبادر النصف وعليه دية الجاني بتمامها ، ويقع الكلام في التقاص ، وقد يصير النصف بالنصف قصاصا ، ويأخذ وارث الجاني النصف الآخر ،   [ ص: 217 ] وقد يختلف القدر بأن يكون المقتول أولا رجلا ، والجاني امرأة ، وإذا قلنا بالأظهر ، ولم نوجب القصاص على المبادر ، فلأخيه نصف الدية ، وممن يأخذها ؟ قولان . 
أحدهما : من أخيه المبادر ، وأظهرهما : من تركة الجاني . 
فإذا قلنا : يأخذ من أخيه ، فأبرأ أخاه ، برئ ، وإن أبرأ وارث الجاني ، لم يصح ، لأنه لا حق له عليه ، ولو أبرأ وارث الجاني المبادر عن الدية ، لم يسقط النصف الثابت عليه لأخيه . 
وأما النصف الثابت للوارث ، فيبنى على التقاص في الديتين ، هل يحصل بنفس الوجوب ؟ إن قلنا : نعم ، فالعفو لغو ، وبمجرد وجوبهما ، سقطا ، وإن قلنا : لا يحصل حتى يتراضيا ، صح الإبراء ، وسقط ما ثبت للوارث على المبادر . 
ويبقى للمبادر النصف في تركة الجاني ، وإن قلنا : حق الذي لم يقتل في تركة الجاني لا على أخيه ، فلوارث الجاني على المبادر دية تامة ، وللمبادر نصف الدية في تركة الجاني ، فيقع النصف تقاصا ، ويأخذ وارث الجاني منه النصف الآخر ، فلو أبرأ الذي لم يقتل أخاه ، فإبراؤه لغو إذ لا شيء له عليه . 
ولو أبرأ وارث الجاني ، صح ، ولو أسقط وارث الجاني الدية عن المبادر ، فإن قلنا : يقع التقاص بنفس الوجوب ، فقد سقط النصف بالنصف ، ويؤثر الإسقاط في النصف الآخر ، فلا يبقى لأحدهما على الآخر شيء ، وإن قلنا : لا يقع التقاص إلا بالتراضي ، سقط حق الوارث بإسقاطه ، وبقي للمبادر نصف الدية في تركة الجاني . 
وإذا كان المبادر جاهلا بالتحريم ، وجبت الدية بقتله ، وهل يكون في ماله لقصده القتل ، أم على عاقلته ، لأن الجهل كالخطأ ؟ قولان . 
فإن قلنا : في ماله ، فالابن الذي لم يقتل يأخذ نصف الدية من أخيه ، أو من تركة الجاني ، فيه القولان ، وإن قلنا : على العاقلة ، أخذ الابنان الدية من تركة الجاني في الحال ، ووارث الجاني يأخذ ديته من عاقلة المبادر ، كما تؤخذ الدية من العواقل ، هذا تفريع الحالة الأولى . 
أما إذا قتله بعد عفو أخيه ، فإن أوجبنا القصاص ، واقتص وارث   [ ص: 218 ] الجاني ، فلورثة المقتص منه نصف الدية في تركة الجاني ، وأما العافي ، فلا شيء له إن عفا مجانا ، وإن عفا على نصف الدية ، عاد الخلاف في أنه ممن يأخذه . 
وإن لم يقتص منه الوارث ، بل عفا ، نظر في حال العفوين وما يقتضيانه من وجوب المال وعدمه ، وإن لم نوجب القصاص ، فإن كان الآخر عفا على الدية ، أو مطلقا ، وقلنا : المطلق يقتضي الدية ، فللابنين دية أبيهما ، وعلى المبادر دية الجاني ، فيقع ما له وما عليه في التقاص ، ويأخذ الآخر النصف من أخيه ، أو من تركة الجاني على الخلاف . 
وإن عفا مجانا أو مطلقا وقلنا : لا يوجب المال ، فلا شيء للعافي ، وللمبادر نصف دية أبيه ، وعليه جميع دية الجاني ، وما ذكرناه في المسألة من صور مجيء الخلاف في التقاص كذا أطلقه الأصحاب وفيه نظر . 
لأن شرط التقاص استواء الديتين في الجنس والصفة حتى لا يجري إذا كان أحدهما مؤجلا والآخر حالا واختلف أجلهما ، وهنا أحد الديتين في ذمة الابن المبادر لورثة الجاني ، والآخر يتعلق بتركة الجاني ولا يثبت في ذمة أحد ، وهذا الاختلاف أشد من اختلاف قدر الأجل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					