فصل 
الواحد إذا قتل جماعة  ، قتل بأحدهم وللباقين الديات ، وكذا لو قطع أطراف جماعة كما سبق ، وفي البيان وجه أنه يقتل بالجميع وليس بشيء ، فلو رضي الأولياء بأن يقتل بهم جميعا ويرجع كل واحد إلى ما يبقى له من الدية عند توزيع القصاص عليهم ، لم يجابوا إليه بلا خلاف ، قاله الإمام . 
ثم ينظر إن قتلهم مرتبا ، قتل بالأول ، فإن عفا ولي الأول ، قتل بالثاني وهكذا يراعى الترتيب ، وإن لم يعف ولي الأول ولا اقتص ، فلا اعتراض عليه ، وليس لولي الثاني المبادرة بقتله ، فلو فعل ، عزر ولا غرم ، بل يقع قتله عن القصاص المستحق له ، وينتقل الأول إلى الدية . 
وفي وجه يغرم للأول دية قتله ، ويأخذ من تركة الجاني دية قتيل نفسه ، وليس بشيء ، ولو كان ولي القتيل الأول غائبا   [ ص: 219 ] أو صبيا أو مجنونا ، حبس القاتل حتى يحضر الولي ، أو تكمل حاله ، وحكى  الفوراني  قولا عن رواية  حرملة  أن للثاني الاقتصاص ، ويصير الحضور والكمال مرجحا ، والمشهور الأول . 
وأما إذا قتلهم معا ، بأن هدم عليهم جدارا أو جرحهم وماتوا معا ، فيقرع بينهم ، فمن خرجت قرعته ، قتل به ، فإن خرجت لواحد ، فعفا وليه ، أعيدت القرعة بين الباقين . 
وكذا لو عفا ، بأن خرجت قرعته ، وهذا الإقراع واجب على مقتضى كلام الجمهور ، وحكى  أبو الفياض  وغيره أنه مستحب وللإمام أن يقتله بمن شاء منهم ، قال  الروياني     : وهو الأصح ، وعليه جرى   ابن كج  وغيره ، وحكوا عن نص   الشافعي  رحمه الله أنه قال : أحببت أن يقرع بينهم ، ولو رضوا بتقديم واحد بلا قرعة ، جاز . 
فإن بدا لهم ، ردوا إلى القرعة ، ذكره الإمام ، ولو كان ولي بعض القتلى غائبا أو صبيا أو مجنونا ، فالمذهب الانتظار إذا أوجبنا الإقراع ، وفي " الوسيط " عن رواية حرملة أن للحاضر والكامل الاقتصاص ، وإذا أشكل الحال ، فلم يدر أقتلهم دفعة أو مرتبا ، أقرع بينهم ، فإن أقر بسبق قتل بعضهم ، اقتص منه وليه ، ولولي غيره تحليفه إن كذبه . 
فرع   . 
إذا قتل مرتبا ، فجاء ولي الثاني يطلب القصاص ، ولم يجئ الأول  ، فعن نص   الشافعي  رضي الله عنه قال : أحببت أن يبعث الإمام إلى ولي الأول ، ليعرف أهو طالب أو عاف ، فإن لم يبعث وقتله بالثاني ، كرهته ولا شيء عليه ، لأن لكلهم عليه حق القود ، ويشبه أن تكون الكراهة كراهة تحريم ، ويؤيده أنه قال في " الأم " : فقد أساء . 
فرع   . 
قتل جماعة جماعة  ، فالقاتلون كشخص ، فإن قتلوهم مرتبا ، قتلوا بالأول ، وإلا فيقرع ، فمن خرجت قرعته ، قتلوا به ، وللباقين الديات في تركات القاتلين . 
 [ ص: 220 ] فرع   . 
إذا قتل عبد جماعة أحرارا أو عبيدا  ، فوجهان . 
أحدهما : يقتل بجميعهم ، لأن في تخصيص بعضهم تضييع حق الآخرين ، ولأن العبد لو قتلهم خطأ ، تضاربوا في رقبته ، فكذا في قصاصه بخلاف الحر ، وأصحهما عند الأكثرين : لا يقتل بجميعهم ، بل يكون كالحر المعسر ، يقتل بواحد ، وللباقين الديات في ذمته يلقى الله تعالى بها . 
فعلى هذا إن قتلهم مرتبا ، قتل بالأول ، وإن قتلهم معا ، أقرع ، وقتل بمن خرجت قرعته ، ولو عفا ولي الأول ، أو ولي من خرجت قرعته على مال ، تعلق المال برقبته . 
وللثاني قتله وإن بطل حق الأول ، لأن تعلق المال لا يمنع القصاص ، كجناية المرهون ، وإن عفا الثاني أيضا على مال ، تعلق المالان برقبته ولا يرجح بالتقدم ، كما لو أتلف أموالا لجماعة في أزمنة . 
فرع   . 
إذا تمالأ على الجاني أولياء القتيل ، فقتلوه جميعا  ، فثلاثة أوجه ، أصحها : يقع القتل موزعا على جميعهم ، ويرجع كل واحد بقسط ما بقي من ديته . 
والثاني : يقرع ويجعل القتل واقعا عمن خرجت قرعته ، وللباقين الديات ، والثالث قاله الحليمي : يكتفى به عن جميعهم ، ولا رجوع إلى شيء من الدية . 
فرع   . 
قتل رجلا ، وقطع طرف آخر ، وحضر المستحقان  ، يقطع طرفه ، ثم يقتل ، سواء تقدم قتله ، أم قطعه ليجمع بين الحقين ، وإن قطع يمين زيد ، ثم أصبعا من يمين عمرو ، وحضرا  ، قطعت يمينه لزيد ويأخذ عمرو دية الأصبع . 
فإن عفا زيد ، قطعت أصبعه لعمرو ، وإن كان قطع الأصبع   [ ص: 221 ] أولا ، قطعت أصبعه للأول ، ويأخذ الثاني دية اليد ، وإن شاء ، قطع ما بقي من يد الجاني ، وأخذ دية الأصبع ، وإن وقع القطعان معا ، أقرع ، فمن خرجت قرعته مكانه يقدم قطعه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					