الاستخلاف على القضاء   
مسألة : قال  الشافعي      : " وأحب للإمام إذ ولى القضاء رجلا أن يجعل له أن يولي القضاء من رأى في الطرف من أطرافه فيجوز حكمه " .  
قال  الماوردي      : أما  الإمام فيجوز له أن يستخلف على القضاء   وإن قدر على مباشرته لعموم ولايته ، كما يجوز أن يستخلف على غير القضاء فيما يقدر على مباشرته ؛ لأن كل الأمور موكولة إلى نظره ، فلم يختص ببعضها فيختص بمباشرته .  
وقد روي أن  رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : إن لي حمارا ولهذا بقرة وأن بقرته قتلت حماري . فقال  لأبي بكر      : " اقض بينهما " فقال : لا ضمان على البهائم ، فقال  لعمر      : " اقض بينهما " فقال : مثل ذلك ، فقال  لعلي      : " اقض بينهما " فقال  علي      : أكانا مرسلين ؟ فقالا : لا . قال : أكانا مشدودين ؟ فقالا : لا . قال : أفكانت البقرة مشدودة والحمار مرسلا ؟ قال : لا . قال : أفكان الحمار مشدودا والبقرة مرسلة ؟ قالا : نعم . قال : " على صاحب البقرة الضمان     " .  
قال أصحابنا : وتأويل المسألة أن  أبا بكر   وعمر   قضيا بسقوط الضمان عن صاحب البقرة إن لم يكن معها ، وإن  عليا   قضى بوجوب ضمان عليه إن كان معها . فقد استخلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على القضاء بمشهده وإن أمكنه القضاء بنفسه .  
فإن قيل فكيف رده إلى  عمر   بعد قضاء  أبي بكر   ، ورده إلى  علي   بعد قضاء  عمر   ، والحكم إذا نفذ انقطع به التنازع .  
 [ ص: 329 ] قيل : لأن جواب  أبي بكر   وعمر   خرج منهما مخرج الفتيا دون الحكم ، فلذلك رده إلى  علي   حتى حكم باللفظ المعتبر في الأحكام ، ولو كان جواب  أبي بكر   حكما لما استجاز رده إلى غيره .  
استخلاف القاضي غيره   
فأما القاضي إذا قلده الإمام عملا فأراد أن يستخلف عليه لم يخل حال تقليده من ثلاثة أقسام :  
أحدها :  أن يجعل له الإمام أن يستخلف عليه   فيجوز له أن يستخلف ، سواء قل عمله أو كثر . لكنه إن قل وقدر على مباشرته بنفسه كان في الاستخلاف مخيرا ، وإن كثر ولم يقدر على مباشرته بنفسه كان الاستخلاف عليه واجبا .  
ثم ينظر في العمل ، فإن كان مصرا كبيرا وسوادا كثيرا قضى في المصر واستخلف على السواد : لأنه تبع فاختص في المتبوع لا بالتابع .  
وإن كانا مصرين متكافئين  كالبصرة   والكوفة   كان بالخيار في أن يقضي في أيهما شاء ويستخلف على أيهما شاء .  
وله إذا حكم في أحدهما أن ينتقل إلى بلد خليفته ينقل خليفته إلى بلده إلا أن يكون الإمام قد عين له الحكم في أحدهما والاستخلاف على الآخر ، فلا يجوز أن يعدل عما عين له ، وتكون ولايته على البلد الآخر مقصورة على اختيار الناظر فيه دون الحكم .  
فإن عين له الإمام على من يستخلفه فيه صارت ولايته عليه مقصورة على تنفيذ ولاية المستخلف ومراعاته وخرجت عن ولاية الحكم والاختيار ، ولم يكن له عزل هذا المستخلف ، وإن كانت له عزل من استخلفه باختياره ؛ لأن التعيين عليه قد منعه من استخلاف غيره .  
فإن كان هذا المعين على استخلافه ليس بأهل للقضاء لم يكن له تنفيذ استخلافه لفساده ولم يكن له استخلاف غيره لمنع التعيين عليه من غيره . ويجوز أن يستخلف في بلد حكمه لعموم الإذن .  
فإن  تنازع خصمان فيه وفي خليفته فطلب أحدهما المحاكمة إليه وطلب الآخر المحاكمة إلى خليفته   ، نظر : فإن كان القاضي في يوم التنازع ناظرا فالداعي إليه أولى من الداعي إلى خليفته ؛ لأنه أصل ، وإن كان القاضي فيه تاركا وخليفته ناظرا كان الداعي إلى خليفته أولى من الداعي إليه ؛ لأنه أعجل .  
فإن جعل له الإمام على القضاء رزقا ، نظر : فإن سمى الرزق له اختص به دون      [ ص: 330 ] خلفائه وإن سماه للقضاء شاركه فيه خلفاؤه ، بحسب كفاياتهم في النظر وكثرة العمل ، فإن عزل من استخلفه وقام بعمله جاز أن يأخذ رزقه ، وإن لم يقم به لم يجز أن يأخذه .  
				
						
						
