[ ص: 357 ] باب ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل  بعد داود  وسليمان  وقبل زكريا  ويحيى  عليهم السلام  
فمنهم شعيا بن أمصيا    . قال محمد بن إسحاق    : وكان قبل زكريا  ويحيى ،  وهو ممن بشر بعيسى  ومحمد  عليهما السلام ، وكان في زمانه ملك اسمه صديقة  على بني إسرائيل  ببلاد بيت المقدس  ، وكان سامعا مطيعا لشعيا  فيما يأمره به وينهاه عنه من المصالح ، وكانت الأحداث قد عظمت في بني إسرائيل  فمرض الملك وخرجت في رجله قرحة وقصد بيت المقدس  ملك بابل  في ذلك الزمان ، وهو سنحاريب  ، قال ابن إسحاق  في ستمائة ألف راية . وفزع الناس فزعا عظيما شديدا ، وقال الملك للنبي شعيا     : ماذا أوحى الله إليك في أمر سنحاريب  وجنوده ؟ فقال : لم يوح إلي فيهم شيئا بعد . ثم نزل عليه الوحي بالأمر للملك صديقة  بأن يوصي ويستخلف على ملكه من يشاء ; فإنه قد اقترب أجله ، فلما أخبره بذلك أقبل الملك على القبلة فصلى وسبح   [ ص: 358 ] ودعا وبكى ، فقال وهو يبكي ويتضرع إلى الله ، عز وجل ، بقلب مخلص وتوكل وصبر : اللهم رب الأرباب وإله الآلهة ، يا رحمن يا رحيم ، يا من لا تأخذه سنة ولا نوم ، اذكرني بعلمي ، وفعلي ، وحسن قضائي على بني إسرائيل  وذلك كله كان منك ، فأنت أعلم به من نفسي ، سري وإعلاني لك . قال : فاستجاب الله له ورحمه ، وأوحى الله إلى شعيا  أن يبشره بأنه قد رحم بكاءه ، وقد أخر في أجله خمس عشرة سنة ، وأنجاه من عدوه سنحاريب    . فلما قال له ذلك ذهب منه الوجع وانقطع عنه الشر والحزن ، وخر ساجدا وقال في سجوده : اللهم أنت الذي تعطي الملك من تشاء ، وتنزعه ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، عالم الغيب والشهادة ، أنت الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين . 
فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعيا  أن يأمره أن يأخذ ماء التين فيجعله على قرحته ، فيشفى ويصبح قد برئ . ففعل ذلك ، فشفي ، وأرسل الله على جيش سنحاريب  الموت فأصبحوا وقد هلكوا كلهم سوى سنحاريب  وخمسة من أصحابه ، منهم بخت نصر  فأرسل ملك بني إسرائيل  فجاء بهم ، فجعلهم في الأغلال وطاف بهم في البلاد على وجه التنكيل بهم والإهانة لهم سبعين يوما ، ويطعم كل واحد منهم كل يوم رغيفين من شعير ، ثم أودعهم السجن ، وأوحى الله تعالى إلى شعيا  أن يأمر الملك بإرسالهم إلى بلادهم ، لينذروا قومهم ما قد حل بهم ، فلما رجعوا جمع سنحاريب  قومه   [ ص: 359 ] وأخبرهم بما قد كان من أمرهم ، فقال له السحرة والكهنة : إنا أخبرناك عن شأن ربهم وأنبيائهم فلم تطعنا ، وهي أمة لا يستطيعها أحد من ربهم . فكان أمر سنحاريب  مما خوفهم الله به . ثم مات سنحاريب  بعد سبع سنين . قال ابن إسحاق  ثم لما مات صديقة  ملك بني إسرائيل  مرج أمرهم واختلطت أحداثهم ، وكثر شرهم ، فأوحى الله تعالى إلى شعيا  ، فقام فيهم فوعظهم وذكرهم ، وأخبرهم عن الله بما هو أهله وأنذرهم بأسه وعقابه إن خالفوه وكذبوه ، فلما فرغ من مقالته عدوا عليه وطلبوه ليقتلوه ، فهرب منهم ، فمر بشجرة فانفلقت له فدخل فيها ، وأدركه الشيطان فأخذ بهدبة ثوبه فأبرزها ، فلما رأوا ذلك جاءوا بالمنشار فوضعوه على الشجرة ، فنشروها ونشروه معها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					