فصل ( آخر من يدخل الجنة    ) 
روى  الدارقطني  في كتابه " الرواة عن مالك    " ،  والخطيب البغدادي ،  من طريق غريبة ، عن عبد الملك بن الحكم ،  حدثنا مالك  ، عن نافع  ، عن ابن عمر ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة ،  يقال له : جهينة . فيقول أهل الجنة : عند جهينة الخبر اليقين ، سلوه : هل بقي في النار أحد من الخلائق ؟   " . وهذا الحديث لا تصح نسبته إلى الإمام مالك ;  لجهالة رواته عنه ، ولو كان محفوظا من حديثه لكان في كتبه المشهورة عنه ، ك " الموطأ " وغيره مما رواه عنه الثقات . والعجيب أن القرطبي  ذكره في " التذكرة " ، وجزم به ، فقال : قال ابن عمر    : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة ،  يقال له : جهينة . فيقول أهل الجنة : وعند جهينة الخبر اليقين   " . وكذلك ذكره السهيلي ،  ولم يضعفه ، وحكى السهيلي  قولا آخر أن اسمه هناد    . فالله أعلم . 
 [ ص: 251 ] وقال مسلم    : حدثنا  محمد بن عبد الله بن نمير  ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ،  عن المعرور بن سويد  ، عن أبي ذر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة ، وآخر أهل النار خروجا منها  ، رجل يؤتى به يوم القيامة ، فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، وارفعوا عنه كبارها ، فتعرض عليه صغار ذنوبه ، فيقال : عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، فيقول : نعم . لا يستطيع أن ينكر ، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه ، فيقال له : فإن لك مكان كل سيئة حسنة . فيقول : رب ، قد عملت أشياء لا أراها ههنا " . فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه   . 
وقال  الطبراني    : حدثنا عبد الله بن سعد بن يحيى الرقي ،  حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن سنان الرهاوي ،  حدثني أبي عن أبيه ، حدثني أبو يحيى الكلاعي ،  عن أبي أمامة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن آخر رجل يدخل الجنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا لبطن  ، كالغلام يضربه أبوه ، وهو يفر منه يعجز عنه عمله أن يسعى ، فيقول : يا رب بلغ بي الجنة ونجني من النار ، فيوحي الله إليه : عبدي ، إن أنا نجيتك من النار ، وأدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك وخطاياك ؟ فيقول العبد : نعم يا رب ، وعزتك وجلالك لئن نجيتني من النار لأعترفن لك بذنوبي وخطاياي . فيجوز الجسر ، ويقول العبد فيما بينه وبين   [ ص: 252 ] نفسه : لئن اعترفت له بذنوبي وخطاياي ليردني إلى النار . فيوحي الله إليه : عبدي ، اعترف لي بذنوبك وخطاياك أغفرها لك ، وأدخلك الجنة . فيقول العبد : لا وعزتك وجلالك ، ما أذنبت ذنبا قط ، ولا أخطأت خطيئة قط . فيوحي الله إليه : إن لي عليك بينة . فيلتفت يمينا وشمالا فلا يرى أحدا فيقول : يا رب ، أرني بينتك ، فيستنطق الله جلده بالمحقرات ، فإذا رأى العبد ذلك يقول : يا رب ، عندي وعزتك العظائم . فيوحي الله إليه : عبدي أنا أعرف بها منك ، اعترف لي بها أغفرها لك وأدخلك الجنة . فيعترف العبد بذنوبه ، فيدخله الجنة " . ثم ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، يقول : " هذا أدنى أهل الجنة منزلة ، فكيف بالذي فوقه ؟   ! " . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا حسن بن موسى ،  حدثنا  سلام - يعني ابن مسكين    - عن أبي ظلال  ، عن أنس بن مالك  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن عبدا في جهنم لينادي ألف سنة : يا حنان ، يا منان " . قال : " فيقول الله لجبريل    : اذهب فائتني بعبدي هذا    . فينطلق جبريل  فيجد أهل النار منكبين يبكون ، فيرجع إلى ربه ، فيخبره ، فيقول : اذهب فائتني به ، فإنه في مكان كذا وكذا . فيجيء به ، فيوقفه على ربه ، فيقول له : يا عبدي ، كيف وجدت مكانك ومقيلك ؟ فيقول : يا رب ، شر مكان وشر مقيل . فيقول : ردوا عبدي . فيقول : يا رب ، ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني فيها . فيقول : دعوا عبدي   " . انفرد به أحمد    . 
 [ ص: 253 ] وقال  الإمام أحمد    : حدثنا عفان ،  حدثنا حماد بن سلمة ،  أخبرنا ثابت   وأبو عمران الجوني ،  عن أنس بن مالك  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يخرج أربعة من النار    - قال أبو عمران    : أربعة . وقال ثابت    : رجلان - فيعرضون على الله ، عز وجل ، ثم يؤمر بهم إلى النار ، فيلتفت أحدهم فيقول : أي رب ، قد كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن لا تعيدني فيها . فينجيه الله سبحانه منها   " . وهكذا رواه مسلم  من حديث حماد بن سلمة ،  به . 
وقال  عبد الله بن المبارك    : حدثني  رشدين بن سعد  ، حدثني ابن أنعم  ، عن أبي عثمان ،  أنه حدثه عن  أبي هريرة ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن رجلين ممن دخل النار يشتد صياحهما ، فقال الرب جل جلاله : أخرجوهما . فأخرجا ، فقال لهما : لأي شيء اشتد صياحكما ؟ قالا : فعلنا ذلك لترحمنا . قال : رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار . قال : فينطلقان ، فيلقي أحدهما نفسه ، فيجعلها الله عليه بردا وسلاما ، ويقوم الآخر ، فلا يلقي نفسه ، فيقول له الرب تعالى : ما منعك أن تلقي نفسك ، كما ألقى صاحبك ؟ فيقول : رب ، إني أرجوك أن لا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني منها . فيقول الرب : لك رجاؤك . فيدخلان جميعا الجنة برحمة الله ، عز وجل   " . 
وذكر بلال بن سعد  في خطبته أن الله تعالى إذا أمرهما بالرجوع إلى النار   [ ص: 254 ] ينطلق أحدهما في أغلاله وسلاسله حتى يقتحمها ، ويتلكأ الآخر ، فيقول الله تعالى للأول : ما حملك على ما صنعت ؟ فيقول : إني خبرت من وبال معصيتك ما لم أكن أتعرض لسخطك ثانيا . ويقول للآخر : ما حملك على أن تلكأت ؟ فيقول : حسن ظني بك إذ أخرجتني منها أن لا تعيدني فيها . فيرحمهما الله ، عز وجل ، ويدخلهما الجنة . 
				
						
						
