[ ص: 177 ] فصل 
وقد اختلفت الصحابة ، رضي الله عنهم ، يوم بدر في المغانم من المشركين يومئذ ، لمن تكون منهم ، وكانوا ثلاثة أصناف حين ولى المشركون ، ففرقة أحدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، تحرسه خوفا من أن يرجع أحد من المشركين إليه ، وفرقة ساقت وراء المشركين يقتلون منهم ويأسرون ، وفرقة جمعت المغانم من متفرقات الأماكن ، فادعى كل فريق من هؤلاء أنه أحق بالمغنم من الآخرين ، لما صنع من الأمر المهم . 
قال ابن إسحاق :  وحدثني عبد الرحمن بن الحارث  وغيره ، عن  سليمان بن موسى ،  عن مكحول ،  عن  أبي أمامة الباهلي ،  قال : سألت عبادة بن الصامت  عن الأنفال ، فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسمه بين المسلمين عن بواء ، يقول : عن سواء   . وهكذا رواه أحمد ،  عن  محمد بن سلمة ،  عن محمد بن إسحاق  به . 
ومعنى قوله : على السواء . أي ساوى فيها بين الذين جمعوها ، وبين   [ ص: 178 ] الذين اتبعوا العدو ، وبين الذين ثبتوا تحت الرايات ، لم يخصص بها فريقا منهم ممن ادعى التخصيص بها ، ولا ينفي هذا تخميسها وصرف الخمس في مواضعه ، كما قد يتوهمه بعض العلماء ، منهم أبو عبيد  وغيره . والله أعلم . بل قد تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار من مغانم بدر    . 
قال ابن جرير :  وكذا اصطفى جملا لأبي جهل ،  كان في أنفه برة من فضة . وهذا قبل إخراج الخمس أيضا . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا معاوية بن عمرو ،  ثنا أبو إسحاق ،  عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ،  عن  سليمان بن موسى ،  عن أبي سلام ،  عن أبي أمامة ،  عن عبادة بن الصامت  قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا ،  فالتقى الناس فهزم الله العدو ، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون ، وأكبت طائفة على العسكر يحوونه   [ ص: 179 ] ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يصيب العدو منه غرة ، حتى إذا كان الليل ، وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم : نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب . وقال الذين خرجوا في طلب العدو : لستم بأحق بها منا ، نحن نفينا منها العدو وهزمناهم . وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم : خفنا أن يصيب العدو منه غرة ، فاشتغلنا به فنزلت : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين    [ الأنفال : 1 ] . فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على فواق بين المسلمين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع ، فإذا أقبل راجعا نفل الثلث ، وكان يكره الأنفال   . 
وقد روى الترمذي   وابن ماجه  من حديث الثوري ،  عن عبد الرحمن بن الحارث    . . . . آخره . وقال الترمذي    : هذا حديث حسن . ورواه  ابن حبان  في " صحيحه " ،  والحاكم  في " مستدركه " من حديث عبد الرحمن    . وقال  الحاكم    : صحيح على شرط مسلم  ولم يخرجه .   [ ص: 180 ] 
وقد روى أبو داود ،   والنسائي ،   وابن حبان ،   والحاكم  من طرق ، عن  داود بن أبي هند ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  قال : لما كان يوم بدر ،  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا . فتسارع في ذلك شبان الرجال ، وبقي الشيوخ تحت الرايات ، فلما كانت الغنائم جاءوا يطلبون الذي جعل لهم ، فقال الشيوخ : لا تستأثروا علينا ، فإنا كنا ردءا لكم ، ولو انكشفتم لفئتم إلينا ، فتنازعوا ، فأنزل الله تعالى : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين  وقد ذكرنا في سبب نزول هذه الآية آثارا أخر يطول بسطها هاهنا ، ومعنى الكلام أن الأنفال مرجعها إلى حكم الله ورسوله ، يحكمان فيها بما فيه المصلحة للعباد في المعاش والمعاد ، ولهذا قال تعالى : قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين  ثم ذكر ما وقع في قصة بدر ،  وما كان من الأمر حتى انتهى إلى قوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل  الآية [ الأنفال : 41 ] . فالظاهر أن هذه الآية مبينة لحكم الله في الأنفال ، الذي جعل مرده إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فبينه تعالى ، وحكم فيها بما أراد تعالى ، وهو قول   [ ص: 181 ] ابن زيد ،  وقد زعم  أبو عبيد القاسم بن سلام ،  رحمه الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر  على السواء بين الناس ، ولم يخمسها ، ثم نزل بيان الخمس بعد ذلك ناسخا لما تقدم ، وهكذا روى الوالبي ،  عن ابن عباس ،  وبه قال مجاهد ،  وعكرمة   والسدي ،  وفي هذا نظر . والله أعلم ، فإن سياق الآيات قبل آية الخمس وبعدها ، كلها في غزوة بدر ،  فيقتضي أن ذلك نزل جملة في وقت واحد غير متفاصل بتأخر يقتضي نسخ بعضه بعضا ، ثم في " الصحيحين " عن علي ،  رضي الله عنه ، أنه قال في قصة شارفيه اللذين اجتب أسنمتهما حمزة :  إن إحداهما كانت من الخمس يوم بدر .  ما يرد صريحا على أبي عبيد ،  أن غنائم بدر  لم تخمس   . والله أعلم . بل خمست كما هو قول  البخاري   وابن جرير ،  وغيرهما ، وهو الصحيح الراجح . والله أعلم . 
				
						
						
