قال القاضي [ ص: 259 ] وغيره : يستحب غسل الثوب من الوسخ والعرق ، نص عليه في رواية المروذي وغيره ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما يجد هذا ما يغسل به ثوبه } { ورأى رجلا شعثا فقال : ما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه } رواه الإمام أحمد والخلال من حديث جابر رضي الله عنه . وعلله الإمام أحمد رضي الله عنه بأن الثوب إذا اتسخ تقطع .
وقال الميموني : ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف ثوبا ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وبدنه ولا أنقى ثوبا ، وأشده بياضا من الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه .
وروى وكيع عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يعجبه إذا قام إلى الصلاة الرائحة الطيبة والثياب النقية .
وروى أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : من مروءة الرجل نقاء ثوبه .
وقال في النهاية في حديث { إن الله نظيف يحب النظافة } : نظافة الله تعالى كناية عن تنزهه من سمات الحدث ، وتعاليه في ذاته عن كل نقص ، وحبه النظافة من غيره كناية عن خلوص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الأهواء ، ثم نظافة القلب عن الغل والحقد والحسد وأمثالها .
ثم نظافة المطعم والملبس عن الحرام والشبه ، ثم نظافة الظاهر لملابسة العبادات ، ومنه الحديث { نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن } أي صونوها عن اللغو والفحش والغيبة والنميمة والكذب وأمثالها ، وعن أكل الحرام والقاذورات ، والحث على تطهيرها من النجاسات بالسواك . انتهى .
( و ) يحسن أيضا بمعنى يسن ( طيها ) أي الثياب ، وهو بالطاء المهملة والياء المثناة تحت فهاء فألف تأنيث من طوى الصحيفة يطويها : وذلك لئلا يستعملها الشيطان باللبس وغيره .
قال ابن العماد في منظومته في حق الشيطان :
ويدخل البيت ينام فيه
بغير إذن ساء من سفيه
على ثياب لم تكن مطوية إن لم يسم خالق البرية
وفي كلام بعضهم : أطعني ليلا أجملك نهارا .
وأورده في الجامع الصغير عن جابر باللفظ المذكور ، قال المناوي أي راحته من لبس الشيطان ، فإن الشيطان لا يلبس ثوبا مطويا .
فينبغي ذلك .
ثم قال : قال ابن الجوزي لا يصح . انتهى ، وذكر السخاوي في المقاصد ما يقويه ، وفي التمييز : طي اللباس يزيد في زيه .
ورأيت في بعض النسخ بالباء بعد الياء من الطيب ، وهو مندوب أيضا .
قال في الفروع : ويتطيب ويستحب للرجل بما ظهر ريحه ، وخفي لونه ، والمرأة عكسه .
قال ابن الجوزي في آداب النساء : لأنها ممنوعة مما ينم عليها لقوله تعالى { ولا يضربن بأرجلهن } الآية .
وقد قال صلى الله عليه وسلم { حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة } رواه الطبراني في الكبير ، والنسائي في سننه ، والحاكم في مستدركه وقال : صحيح على شرط مسلم .
مطلب : زيادة لفظة ثلاث في حديث حبب إلي من دنياكم .
وأما ما اشتهر في هذا الحديث من زيادة ثلاث فقال السخاوي : لم أقف عليها إلا في موضعين من الإحياء ، وفي تفسير آل عمران من الكشاف وما رأيتها في شيء من طرق هذا الحديث بعد مزيد التفتيش ، وبذلك صرح الزركشي فقال : إنه لم يرد فيه لفظة ثلاث .
قال : وزيادتها محيلة للمعنى ، فإن الصلاة ليست من الدنيا انتهى .
قلت : وفي موضوعات على القارئ بعد إيراده الحديث ما نصه : وأما زيادة ثلاث الواقعة في كلام الغزالي وغيره فلا أصل لها كما قاله الحفاظ ، وإن تكلف الإمام ابن فورك في توجيهها انتهى .
وهذا يعني التطيب بالطيب ، وإن كان مندوبا فليس بمراد في كلام الناظم بل الطي أولى ، والله - تعالى - أعلم .


