[ ص: 171 ] في الأعذار المسقطة للتكليف  السفر 
فمنها : السفر مسقط لشطر الصلاة الرباعية ومسوغ لإخراجها عن وقتها ، إذ جوز له الشرع التأخير بنسبة الجمع ترخيصا ، ثم منه ما ثبت لمطلق السفر وإن قصر . وعدها الغزالي  أربعة : النفل لغير القبلة ، وترك الجمعة ، والتيمم ، وأكل الميتة ، وقد ينازع في هذين فإنهما لا يختصان بالسفر . 
ومنه ما يختص بالطويل . وهي أربعة : القصر ، والفطر ، والجمع ، والمسح على الخف ثلاثة أيام . 
الاضطرار 
ومنها : الاضطرار لاستبقاء المهجة ، رخص له الشرع بتناول الميتة بل أوجبه ، لأنها إنما حرمت لأن تناولها يخل بمكارم الأخلاق ، وذلك لا يقاوم استبقاء المهجة . الجهل 
ومنها : الجهل ، ولهذا لم يجب الحد على من جهل تحريم الزنا والخمر  إذا كان ممن يخفى عليه ، ولا تبطل الصلاة بجهله تحريم الكلام  ، ولا تبطل  [ ص: 172 ] فورية الخيار بجهله ثبوته ، ولا يكفر منكر حكم الإجماع الخفي  كتوريث بنت الابن مع البنت ، السدس .  
وفي " تعليق "  القاضي الحسين  في الكلام على خيط الخياط كل مسألة تدق وتغمض معرفتها هل يعذر فيها العامي  ؟ على وجهين . وشرط  الشافعي  في تعصيته البيع على بيع أخيه العلم  بالنهي وعذره بالجهل ، وكذا في النجش كما نقله  الشافعي    . خلافا للرافعي  في قوله : إنه لم يشرطه . 
والصواب : أن ذلك شرط في جميع المناهي ، وقد روى  النسائي    { آكل الربا وموكله وكاتبه إذا علموا بذلك ملعونون على لسان محمد  يوم القيامة   } . [ الخطأ ] 
ومنها : الخطأ بأن يصدر منه الفعل بغير قصد ، ولهذا لا يجب فيه القصاص لكن حكى  الشيخ أبو حامد  الإجماع على أنه حرام ، وأن لا إثم فيه . حكاه عنه صاحب " البيان " في كفارة القتل . وينبغي أن يكون على الخلاف في وطء الشبهة ونحوه حتى لا يوصف لا بحل ولا حرمة على الأصح . 
 [ ص: 173 ] الحيض ] 
ومنها : الحيض مسقط للصلاة وكذا الصوم  على الأصح المنصوص ، وإنما وجب قضاؤه بأمر جديد . [ المرض ] 
ومنها : المرض مسقط للقيام في الفرض ومسوغ لإخراج الصوم عن وقته ، ويلتحق به دائم الحدث كالمستحاضة ، والسلس مسقط لحكم الطهارتين في الصلاة .    [ الرق ] 
ومنها : الرق يسقط الجمعة ، وكذلك الجماعة  فلا تجب عليه قطعا . 
[ الإكراه ] 
ومنها : الإكراه المبيح له التلفظ بكلمة الكفر ، ولا خلاف في وجوب الاستسلام عند الإكراه على القتل والزنا . 
وفي " المبسوط " للحنفية الإكراه أثره عند  الشافعي  في إلغاء عبارته كتأثير الصبا والجنون . وعندنا تأثيره في سلب الرضا ، لا في إهدار عبارته ، حتى كأن متصرفاته منعقدة ، ولكن ما يعتمد لزومه الرضا كالبيع والشراء ونحوهما لا يلزم ، وما لا يعتمد الرضا يلزم كالنكاح ، والطلاق ، والعتاق .  [ ص: 174 ] 
قال السرخسي    : قد استكثر  محمد    - رحمه الله - الاستدلال بالآثار في أول كتاب الإكراه ، وهذا لا يزيل الخطاب حتى يتنوع أفعاله إلى مباح وواجب وحرام . فالواجب شرب الخمر وأكل الميتة وتارة قتل النفس والزنا ، وذلك لا يكون إلا باعتبار الخطاب . 
قال إلكيا الطبري    : وجملة حقوق الله تعالى على الإنسان  النظر أولا ، ثم المعرفة ثانيا ، ثم العبادات .  فالشافعي  يقول : العبادات البدنية ساقطة عن الصبي دون العبادات المالية  ، والعبادات المالية إذا أخذت من ماله ، فلا نقول : يستحق بها ثواب من يمتحن بتنقيص الملك ، ومراغم الشيطان الذي يعد الفقر ، ولكن يؤخذ من ماله نظرا للفقراء لا نظرا للصبي المؤدي . وهذا معنى قولنا : إنما تؤخذ منه باعتبار المواساة لا باعتبار العبادة . فعلى هذا ليس على الصبي عبادة مالية ولا بدنية ، وإنما المأخوذ من ماله نفقة أخوة الدين . 
ثم لا يلزم قضاء العبادات بعد البلوغ ، لعلم الشرع بأن ذلك يجر حرجا عظيما من حيث إن الصبي عام في أصل الفطرة ، وقد صح قطعا مدة مديدة . والجنون عند  الشافعي  يسقط القضاء مع أنه لا يقطع بدوامه ، ولا أنه عام فليس ملتحقا بالصبي مع الفرق القاطع . ولكن لأن أصله مسقط للقضاء ومقاديره ملحقة بأصله .  وأبو حنيفة  يلحق تفاصيله بأصل آخر : وهو الإغماء ، ونظر  الشافعي  أولى . ويتصل بذلك أن عقله وتمييزه يقتضي تصحيح عبارته إلا أن  الشافعي  يقول : فسدت عبارته فيما صار بولي عليه فيها ، وأما ما لم يصر مولى عليه فيها ففاسد فيما يضره ، صحيح فيما ينفعه ،  [ ص: 175 ] حتى لو قال : أنا جائع يسمع منه ويطعم  وأبو حنيفة  فصل فقال : والأعذار المسقطة للوجوب بعد البلوغ  تسعة : جنون ونوم وإغماء ونسيان وخطأ وإكراه وجهل بأسباب الوجوب وحيض ورق . 
فالجنون رآه  أبو حنيفة  شبيها بالصبي في عدم العقل بالجنون من أصله ، والصبي في كماله ، وألحقه به من وجه دون وجه ، والصبا يمنع وجوب حقوق الله كلها ماليها وبدنيها ، وعندنا لا يمنع وجوب الحقوق المالية . 
والسفه لا يؤثر في العبادات إجماعا وفي الطلاق والإقرار بالدم ، ويؤثر في التصرفات عند  الشافعي  خلافا  لأبي حنيفة    . 
والنوم والإغماء يمنعان استكمال العقل ، فلم نعتبر النوم لشيء من الأعذار المسقطة للعبادة ، وفي العبادة كلام . 
والسكر وإن شابه الإغماء في الصورة ولكنه لما كان مقصودا للعقلاء صار السكران كالصاحي وما يقتضي النسيان والإكراه والرق عذر يستقصى في الفقه . 
والكفر ليس مسقطا للخطاب عندنا ولكن الشرع رخص مع وجود سبب الوجوب بإسقاط القضاء بعد الإسلام ورخص بإسقاط ضمان المتلفات ، ورخص تصحيح أنكحتهم ومعاملتهم كثيرا مما يخالف وضع الشرع ترغيبا لهم في الإسلام . وكل ذلك مستقصى في الفقه . فهذا مجموع الأعذار المسقطة مع وجود السبب الموجب إلا أن الشرع رجح سببا على سبب من  [ ص: 176 ] غير أن يظهر عند تفاوت مراتب الأدلة في بعضها . [ الصبا ] 
واعلم أن الصبا ، إنما ينتصب عذرا في العبادات التي تقرر وجوبها بالشرع ، ومن قال : إن وجوب الإسلام بالعقل فلا يتصور أن يقدر الصبا عذرا أصلا ، ويقول : يجب على الله أن يعاقبه وهو قول باطل ، وبنى عليه الحنفية صحة إسلامه على معنى تعلق الأحكام به لترتبها على الإسلام المرفوع ، وأبطله  الشافعي  ، لأنه لم يظهر انطواء ضميره ، أو يقول : لا يحتمل الإسلام إلا فرضا ، ولا يمكن تقديره فرضا فخرج لذلك عن كونه مشروعا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					