[ الكذب من الكبائر ] . 
ولا خلاف بين المسلمين أن شهادة الزور من الكبائر ، واختلف الفقهاء في الكذب في غير الشهادة : هل هو من الصغائر أو من الكبائر  ؟ على قولين هما روايتان عن الإمام  أحمد  حكاهما  أبو الحسين  في تمامه ، واحتج من جعله من الكبائر بأن الله سبحانه جعله في كتابه من صفات شر البرية ، وهم الكفار والمنافقون ، فلم يصف به إلا كافرا أو منافقا ، وجعله علم أهل النار وشعارهم وجعل الصدق علم أهل الجنة وشعارهم . 
وفي الصحيح من حديث  ابن مسعود  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عليكم بالصدق ; فإنه يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب ; فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا   } وفي الصحيحين مرفوعا : { آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان   } . 
وقال  معمر  عن أيوب  عن  ابن أبي مليكة  عن  عائشة  رضي الله عنها قالت : { ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما تزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة   } . 
وقال مروان الطاطري    : ثنا  محمد بن مسلم   ثنا أيوب  عن  ابن أبي مليكة  عن  عائشة  قالت : { ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، وما جرب على أحد كذبا فرجع إليه ما كان حتى يعرف منه توبة   } حديث حسن رواه  الحاكم  في المستدرك من طريق  ابن وهب  عن  محمد بن مسلم   عن أيوب  عن  ابن سيرين  عن  عائشة  رضي الله عنها ، وروى  عبد الرزاق  عن  معمر  عن موسى بن أبي شيبة    : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل شهادة رجل في كذبة كذبها   } وهو مرسل ، وقد احتج به  أحمد  في إحدى الروايتين عنه . 
وقال  قيس بن أبي حازم    : سمعت  أبا بكر الصديق  رضي الله عنه يقول : " إياكم والكذب ، فإن الكذب مجانب الإيمان " يروى موقوفا ومرفوعا ; وروى  شعبة  عن  سلمة بن كهيل  عن  مصعب بن سعد  عن  [ ص: 94 ] أبيه قال : " المسلم يطبع على كل طبيعة غير الخيانة والكذب " ، ويروى مرفوعا أيضا . 
وفي المسند والترمذي  من حديث خريم بن فاتك الأسدي  ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح ، فلما انصرف قام قائما قال : عدلت شهادة الزور الشرك بالله ثلاث مرار ، ثم تلا هذه الآية : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به    }   } . 
وفي المسند من حديث  عبد الله بن مسعود  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة ، وقطع الأرحام ، وشهادة الزور ، وكتمان شهادة الحق   } . 
وقال  الحسن بن زياد اللؤلؤي    : ثنا  أبو حنيفة  قال {   : كنا عند  محارب بن دثار  ، فتقدم إليه رجلان ، فادعى أحدهما على الآخر مالا ، فجحده المدعى عليه ، فسأله البينة ، فجاء رجل فشهد عليه ، فقال المشهود عليه : لا والله الذي لا إله إلا هو ما شهد علي بحق ، وما علمته إلا رجلا صالحا ، غير هذه الزلة فإنه فعل هذا لحقد كان في قلبه علي ، وكان محارب  متكئا فاستوى جالسا ثم قال : يا ذا الرجل سمعت  ابن عمر  يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليأتين على الناس يوم تشيب فيه الولدان ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، وتضرب الطير بأذنابها وتضع ما في بطونها من شدة ذلك اليوم ، ولا ذنب عليها وإن شاهد الزور لا يقار قدماه على الأرض حتى يقذف به في النار فإن كنت شهدت بحق فاتق الله وأقم على شهادتك ، وإن كنت شهدت بباطل فاتق الله وغط رأسك واخرج من ذلك الباب   } . 
وقال  عبد الملك بن عمير    {   : كنت في مجلس  محارب بن دثار  وهو في قضائه ، حتى تقدم إليه رجلان ، فادعى أحدهما على الآخر حقا ، فأنكره ، فقال : ألك بينة ؟ فقال : نعم ، ادع فلانا ، فقال المدعى عليه : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله إن شهد علي ليشهدن بزور ، ولئن سألتني عنه لأزكينه ; فلما جاء الشاهد قال  محارب بن دثار    : حدثني  عبد الله بن عمر  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الطير لتضرب بمناقيرها ، وتقذف ما في حواصلها ، وتحرك أذنابها من هول يوم القيامة ، وإن شاهد الزور لا تقار قدماه على الأرض حتى يقذف به في النار ثم قال للرجل : بم تشهد ؟ قال : كنت أشهدت على شهادة وقد نسيتها ، أرجع فأتذكرها ، فانصرف ولم يشهد عليه بشيء   } ، ورواه أبو يعلى الموصلي  في مسنده فقال : ثنا  محمد بن بكار   ثنا زافر  عن أبي علي  قال {   : كنت عند  محارب بن دثار  ، فاختصم إليه رجلان ، فشهد على أحدهما شاهد ، فقال الرجل : لقد شهد علي بزور ، ولئن سئلت عنه ليزكين ، وكان محارب  متكئا فجلس ثم قال : سمعت  عبد الله بن عمر  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزول قدما شاهد الزور من مكانهما حتى يوجب الله له النار   } وللحديث طرق إلى محارب    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					