فصل 
[ من فروع اعتبار الشرع قصد المكلف  دون الصورة ] 
وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : { صيد البر  لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم   } كيف حرم على المحرم الأكل مما صاده الحلال إذا كان قد صاده لأجله ؟ فانظر كيف أثر القصد في التحريم ولم يرفعه ظاهر الفعل ، ومن ذلك الأثر المرفوع من حديث  أبي هريرة    { من تزوج امرأة بصداق ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان ، ومن ادان دينا ينوي أن لا يقضيه فهو سارق   } ذكره أبو حفص  بإسناده فجعل المشتري والناكح إذا قصدا أن لا يؤديا العوض  بمنزلة من استحل الفرج والمال بغير عوض ، فيكون كالزاني والسارق في المعنى وإن خالفهما في الصورة ، ويؤيد ذلك ما في صحيح البخاري مرفوعا { من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفها الله   } . 
فهذه النصوص وأضعافها تدل على أن المقاصد تغير أحكام التصرفات من العقود وغيرها  ، وأحكام الشريعة تقتضي ذلك أيضا ; فإن الرجل إذا اشترى أو استأجر أو اقترض أو نكح ونوى أن ذلك لموكله أو لموليه  كان له وإن لم يتكلم به في العقد ، وإن لم ينوه له وقع الملك للعاقد ، وكذلك لو تملك المباحات من الصيد والحشيش وغيرها ونواه لموكله  وقع الملك له عند جمهور الفقهاء ، نعم لا بد في النكاح من تسمية الموكل ; لأنه معقود عليه ، فهو بمنزلة السلعة في البيع ، فافتقر العقد إلى تعيينه لذلك ، لا أنه معقود له ، وإذا كان القول والفعل الواحد يوجب الملك لمالكين مختلفين عند تغير النية ثبت أن للنية تأثيرا في العقود والتصرفات . 
ومن ذلك أنه لو قضى عن غيره دينا أو أنفق عليه نفقة واجبة أو نحو ذلك ينوي التبرع والهبة  لم يملك الرجوع بالبدل ، وإن لم ينو فله الرجوع إن كان بإذنه اتفاقا ، وإن كان بغير إذنه ففيه النزاع المعروف ; فصورة العقد واحدة ، وإنما اختلف الحكم بالنية والقصد ، ومن ذلك أن الله تعالى حرم أن يدفع الرجل إلى غيره مالا ربويا بمثله على وجه البيع  إلا أن  [ ص: 82 ] يتقابضا ، وجوز دفعه بمثله على وجه القرض ، وقد اشتركا في أن كلا منهما يدفع ربويا ويأخذ نظيره ، وإنما فرق بينهما القصد ; فإن مقصود المقرض إرفاق المقترض ونفعه ، وليس مقصوده المعاوضة والربح ، ولهذا كان القرض شقيق العارية كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم " منيحة الورق " فكأنه أعاره الدراهم ثم استرجعها منه ، لكن لم يمكن استرجاع العين فاسترجع المثل ، وكذلك لو باعه درهما بدرهمين  كان ربا صريحا ، ولو باعه إياه بدرهم ثم وهبه درهما آخر  جاز ، والصورة واحدة وإنما فرق بينهما القصد ، فكيف يمكن أحدا أن يلغي القصود في العقود ولا يجعل لها اعتبارا ؟ . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					