فصل : 
فهذا ما يتعلق بقول أمير المؤمنين رضي الله عنه : " واعرف الأشباه والنظائر " وفي لفظ : " واعرف الأمثال ، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق " . فلنرجع إلى شرح باقي كتابه . ثم قال : " وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس ، والتنكر عند الخصومة ، أو الخصوم - شك أبو عبيد    - فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ، ويحسن به الذخر " . 
هذا الكلام يتضمن أمرين : [ ذم الغضب    ] . أحدهما : التحذير مما يحول بين الحاكم وبين كمال معرفته بالحق ، وتجريد قصده له ; فإنه لا يكون خير الأقسام الثلاثة إلا باجتماع هذين الأمرين فيه ، والغضب والقلق والضجر مضاد لهما ; فإن الغضب غول العقل يغتاله كما تغتاله الخمر ، ولهذا { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان   } والغضب نوع من الغلق والإغلاق الذي  [ ص: 120 ] يغلق على صاحبه باب حسن التصور والقصد ، وقد نص  أحمد  على ذلك في رواية  حنبل  ، وترجم عليه أبو بكر  في كتابيه الشافي وزاد المسافر ، وعقد له بابا ، فقال في كتاب الزاد : باب النية في الطلاق والإغلاق ، 
قال أبو عبد الله  في رواية  حنبل    : عن  عائشة  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " { لا طلاق ولا عتق في إغلاق   } فهذا الغضب ، وأوصى بعض العلماء لولي أمر فقال : إياك والغلق والضجر ; فإن صاحب الغلق لا يقدم عليه صاحب حق ، وصاحب الضجر لا يصير على حق . 
[ الصبر على الحق    ] . والأمر الثاني : التحريض على تنفيذ الحق ، والصبر عليه ، وجعل الرضا بتنفيذه في موضع الغضب والصبر في موضع القلق والضجر ، والتحلي به واحتساب ثوابه في موضع التأذي ; فإن هذا دواء ذلك الداء الذي هو من لوازم الطبيعة البشرية وضعفها ; فما لم يصادفه هذا الدواء فلا سبيل إلى زواله ; هذا مع ما في التنكر للخصوم من إضعاف نفوسهم ، وكسر قلوبهم ، وإخراس ألسنتهم عن التكلم بحججهم خشية معرة التنكر ، ولا سيما أن يتنكر لأحد الخصمين دون الآخر ; فإن ذلك الداء العضال . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					