( ويسن للوالد ) أي : الأصل وإن علا ( العدل في عطية أولاده ) أي : فروعه وإن سفلوا ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه وفاقا لغير واحد وخلافا لمن خصص الأولاد سواء أكانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا أم تبرعا آخر فإن لم يعدل لغير عذر كره عند أكثر العلماء وقال جمع يحرم ، والأصل في ذلك خبر البخاري { اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم } وخبر أحمد أنه صلى الله عليه وسلم { قال لمن أراد أن يشهده على عطية لبعض أولاده لا تشهدني على جور لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم } . وفي رواية لمسلم { أشهد على هذا غيري ، ثم قال أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء قال بلى قال فلا }
إذن فأمره بإشهاد غيره صريح في الجواز وأن تسميته جورا باعتبار ما فيه من عدم العدل المطلوب فإن فضل البعض أعطى الآخرين ما يحصل به العدل [ ص: 308 ] وإلا رجع ندبا للأمر به في رواية نعم الأوجه أنه لو علم من المحروم الرضا وظن عقوق غيره لفقره ورقة دينه لم يسن الرجوع ولم يكره التفضيل كما لو أحرم فاسقا لئلا يصرفه في معصية ، أو عاقا ، أو زاد أو آثر الأحوج ، أو المتميز بنحو فضل كما فعله الصديق مع عائشة رضي الله تعالى عنهما ، والأوجه أن تخصيص بعضهم بالرجوع في هبته كهو بالهبة فيما مر وأفهم قوله كغيره عطية أنه لا يطلب منه التسوية في غيرها كالتودد بالكلام وغيره .
لكن وقع في بعض نسخ الدميري لا خلاف أن التسوية بينهم مطلوبة حتى في القيل أي : للمميزين وله وجه إذ كثيرا ما يترتب على التفاوت في ذلك ما مر في الإعطاء ومن ثم ينبغي أن يأتي هنا أيضا استثناء التمييز لعذر ويسن للولد أيضا العدل في عطية أصوله فإن فضل كره خلافا لبعضهم نعم في الروضة عن الدارمي فإن فضل فالأولى أن يفضل الأم وأقره لما في الحديث أن لها ثلثي البر وقضيته عدم الكراهة إذ لا يقال في بعض جزئيات المكروه إنه أولى من بعض بل في شرح مسلم عن المحاسبي الإجماع على تفضيلها في البر على الأب وإنما فضل عليها في الإرث لما يأتي أن ملحظه العصوبة ، والعاصب أقوى من غيره ، وما هنا ملحظه الرحم وهي فيه أقوى ؛ لأنها أحوج وبهذا فارق ما مر أنه يقدم عليها في الفطرة ؛ لأن ملحظها الشرف كما مر ويسن على الأوجه العدل بين نحو الإخوة أيضا لكنها دون طلبها في الأولاد وروى البيهقي خبر { حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده } وفي رواية { الأكبر من الإخوة بمنزلة الأب } وإنما يحصل [ ص: 309 ] العدل بين من ذكر ( بأن يسوي بين الذكر ، والأنثى ) لرواية ظاهرة في ذلك في الخبر السابق ولخبر ضعيف متصل وقيل الصحيح إرساله { سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء وفي نسخة البنات } ( وقيل كقسمة الإرث ) وفرق الأول بأن ملخص هذا العصوبة وهي مختلفة مع عدم تهمة فيه وملحظ ذاك الرحم وهما فيه سواء مع التهمة فيه وعلى هذا ، وما مر في إعطاء أولاد الأولاد مع الأولاد تتصور التسوية بأن يفرض الأسفلون في درجة الأعلين نظير ما يأتي في ميراث الأرحام على قول ( فرع )
أعطى آخر دراهم ليشتري بها عمامة مثلا ولم تدل قرينة حاله على أن قصده مجرد التبسط المعتاد لزمه شراء ما ذكر وإن ملكه ؛ لأنه ملك مقيد يصرفه فيما عينه المعطي ولو مات قبل صرفه في ذلك انتقل لورثته ملكا مطلقا كما هو ظاهر لزوال التقييد بموته كما لو ماتت الدابة الموصى بعلفها قبل الصرف فيه فإنه يتصرف فيه مالكها كيف شاء ولا يعود لورثة الموصي ، أو بشرط أن يشتري بها ذلك بطل الإعطاء من أصله ؛ لأن الشرط صريح في المناقضة لا يقبل تأويلا بخلاف غيره .


