( وتجب ) الزكاة فيما مر ( ببدو صلاح الثمر ) ولو في البعض ويأتي ضابطه في البيع ؛ لأنه حينئذ ثمرة كاملة وقبله بلح أو حصرم ( واشتداد الحب ) ، ولو في البعض أيضا ؛ لأنه حينئذ قوت وقبله بقل قال أصله فلو اشترى أو ورث نخيلا مثمرة وبدا الصلاح عنده فالزكاة عليه لا على من انتقل الملك عنه ؛ لأن السبب إنما وجد في ملكه وحذفه للعلم به من حيث تعليقه الوجوب بما ذكره ، ولا يشترط تمام الصلاح والاشتداد ، ومؤنة نحو الجداد والتجفيف والحصاد والتصفية وسائر المؤن من خالص ماله ، وكثير يخرجون ذلك من الثمر أو الحب ثم يزكون الباقي ، وهو خطأ عظيم ، ومع وجوبها بما ذكر لا يجب الإخراج إلا بعد التصفية والجفاف فيما يجف بل لا يجزئ قبلهما [ ص: 255 ] نعم يأتي في المعدن تفصيل في شرح قوله فيهما يتعين مجيء كله هنا فتنبه له .
فالمراد بالوجوب بذلك انعقاده سببا لوجوب الإخراج إذا صار تمرا أو زبيبا أو حبا مصفى فعلم أن ما اعتيد من إعطاء الملاك الذين تلزمهم الزكاة الفقراء سنابل أو رطبا عند الحصاد أو الجداد حرام ، وإن نووا به الزكاة ، ولا يجوز لهم حسابه منها إلا إن صفي أو جف وجددوا إقباضه كما هو ظاهر ثم رأيت مجليا صرح بذلك مع زيادة فقال : ما حاصله أن فرض أن الآخذ من أهل الزكاة فقد أخذ قبل محله ، وهو تمام التصفية ، وأخذه بعدها من غير إقباض المالك له أو من غير نيته لا يبيحه قال : وهذه أمور لا بد من رعاية جميعها ، وقد تواطأ الناس على أخذ ذلك مع ما فيه من الفساد ، وكثير من المتعبدين يرونه أحل ما وجد ، وسببه نبذ العلم وراء الظهور ا هـ واعترض بما رواه البيهقي أن أبا الدرداء أمر أم الدرداء أنها إذا احتاجت تلتقط السنابل فدل على أن هذه عادة مستمرة من زمنه صلى الله عليه وسلم وأنه لا فرق فيه بين الزكوي وغيره توسعة في هذا الأمر وإذا جرى خلاف في مذهبنا أن المالك تترك له نخلات بلا خرص يأكلها فكيف يضايق بمثل هذا الذي اعتيد من غير نكير في الأعصار والأمصار ا هـ ، وفيه ما فيه .
فالصواب ما قاله مجلي ويلزمهم إخراج زكاة ما أعطوه كما لو أتلفوه ، ولا يخرج على ما مر عن العراقيين وغيرهم ؛ لأنه يغتفر في الساعي ما لا يغتفر في غيره ونوزع فيما ذكر من الحرمة بإطلاقهم ندب إطعام الفقراء يوم الجداد والحصاد خروجا من خلاف من أوجبه لورود النهي عن الجداد ليلا ، ومن ثم كره فأفهم هذا الإطلاق أنه لا فرق بين ما تعلقت به الزكاة وغيره ويجاب بأن الزركشي لما ذكر جواز التقاط السنابل بعد الحصاد قال ويحمل على ما لا زكاة فيه أو علم أنه زكي أو زادت أجرة جمعه على ما يحصل منه فكذا يقال هنا قول المحشي ( قوله : فيلزمه بدله إلخ ) ليس موجودا في نسخ الشرح التي بأيدينا [ ص: 256 ] وأما قول شيخنا : الظاهر العموم وأن هذا القدر مغتفر فهو ، وإن كان ظاهر المعنى ، ومن ثم جزم به في موضع آخر لكن الأوفق بكلامهم ما قدمته أولا ومن لزوم إخراج زكاته بإطلاقهم المذكور في الحب مع أنه لا يزكى إلا مصفى ، ولا خرص فيه .
ويرد بتعين الحمل في مثل هذا على ما لا زكاة فيه ، وقد صرحوا بأن من تصدق بالمال الزكوي بعد حوله تلزمه زكاته ، ولم يفرقوا بين قليله وكثيره فتعين حمل الزركشي ليجتمع به أطراف كلامهم ، ولا ينافي ذلك ما ذكروه في منع خرص نخل البصرة ؛ لأنه ضعيف كما يأتي ويأتي رد قول الإمام والغزالي : المنع الكلي من التصرف خلاف الإجماع ، وضعف ترك شيء من الرطب للمالك ، وأحاديث الباكورة وأمر الشافعي بشراء الفول الرطب محمولان على ما لا زكاة فيه ؛ إذ الوقائع الفعلية تسقط بالاحتمال وكما لم ينظر الشيخان وغيرهما في منع بيع هذا في قشره إلى الاعتراض عليه بأنه خلاف الإجماع الفعلي ، وكلام الأكثرين وعليه الأئمة الثلاثة كذلك لا ينظر فيما نحن فيه إلى خلاف ما صرح به كلامهم .
وإن اعترض بنحو ذلك ؛ إذ المذهب نقل فإذا زادت المشقة في التزامه هنا فلا عتب على المتخلص بتقليد مذهب آخر كمذهب أحمد فإنه يجيز التصرف قبل الخرص والتضمين ، وأن يأكل هو وعياله على العادة ، ولا يحسب عليه ، وكذا ما يهديه من هذا في أوانه


