المسألة الثالثة : فهي في بيان الغرض من ذلك الخداع وفيه وجوه : 
الأول : أنهم ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يجرونهم في التعظيم والإكرام مجرى سائر المؤمنين إذا أظهروا لهم الإيمان وإن أسروا خلافه فمقصودهم من الخداع هذا . 
الثاني : يجوز أن يكون مرادهم إفشاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم أسراره ، وإفشاء المؤمنين أسرارهم فينقلونها إلى أعدائهم من الكفار . 
الثالث : أنهم دفعوا عن أنفسهم أحكام الكفار مثل القتل ، لقوله عليه الصلاة والسلام :   " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "   . 
الرابع : أنهم كانوا يطمعون في أموال الغنائم ، فإن قيل : فالله تعالى كان قادرا على أن يوحي إلى محمد  صلى الله عليه وسلم كيفية مكرهم وخداعهم ، فلم لم يفعل ذلك هتكا لسترهم ؟ قلنا : إنه تعالى قادر على استئصال إبليس وذريته ولكنه تعالى أبقاهم وقواهم ، إما لأنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد أو لحكمة لا يطلع عليها إلا هو ، فإن قيل : هل للاقتصار بخادعت على واحد وجه صحيح ؟ قلنا : قال صاحب " الكشاف " : وجهه أن يقال : عنى به فعلت إلا أنه أخرج في زنة فاعلت ؛ لأن الزنة في أصلها للمبالغة ، والفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده من غير مغالب لزيادة قوة الداعي إليه ، ويعضده قراءة أبي حيوة    " يخدعون الله " ثم قال : ( يخادعون    ) بيانا ليقول ، ويجوز أن يكون مستأنفا كأنه قيل : ولم يدعون الإيمان كاذبين ؟ وما نفعهم فيه ؟ فقيل ( يخادعون    ) . 
 [ ص: 58 ] المسألة الرابعة : قرأ نافع  وابن كثير  وأبو عمرو    " وما يخادعون " والباقون " يخدعون " وحجة الأولين : مطابقة اللفظ حتى يكون مطابقا للفظ الأول ، وحجة الباقين أن المخادعة إنما تكون بين اثنين ، فلا يكون الإنسان الواحد مخادعا لنفسه ، ثم ذكروا في قوله : ( وما يخدعون إلا أنفسهم    ) وجهين : 
الأول : أنه تعالى يجازيهم على ذلك ويعاقبهم عليه فلا يكونون في الحقيقة خادعين إلا أنفسهم ، عن الحسن    . 
والثاني : ما ذكره أكثر المفسرين ، وهو أن وبال ذلك راجع إليهم في الدنيا ؛ لأن الله تعالى كان يدفع ضرر خداعهم عن المؤمنين ويصرفه إليهم  ، وهو كقوله : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم    ) [النساء : 142] وقوله : ( إنما نحن مستهزئون  الله يستهزئ بهم    ) [البقرة : 14 ، 15] ( أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء    ) [البقرة : 13] ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا    ) [النحل : 50] ( إنهم يكيدون كيدا  وأكيد كيدا    ) [الطارق : 15 ، 16] ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله    ) [المائدة : 33] ( إن الذين يؤذون الله ورسوله    ) [الأحزاب : 57] وبقي في الآية بعد ذلك أبحاث . 
أحدها : قرئ " وما يخدعون " من أخدع و " يخدعون " بفتح الياء بمعنى يختدعون " ويخدعون " و " يخادعون " على لفظ ما لم يسم فاعله . 
وثانيها : النفس ذات الشيء وحقيقته ، ولا تختص بالأجسام لقوله تعالى : ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك    ) [المائدة : 116] والمراد بمخادعتهم ذواتهم أن الخداع لا يعدوهم إلى غيرهم . 
وثالثها : أن الشعور علم الشيء إذا حصل بالحس ، ومشاعر الإنسان حواسه ، والمعنى أن لحوق ضرر ذلك بهم كالمحسوس ، لكنهم لتماديهم في الغفلة كالذي لا يحس . 
				
						
						
