( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون  في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون    ) 
قوله تعالى : ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون  في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون    ) 
اعلم أن الله تعالى ذكر من قبائح المنافقين  أربعة أشياء : 
أحدها : ما ذكره في هذه الآية ، وهو أنهم ( يخادعون الله والذين آمنوا    ) فيجب أن يعلم أولا : ما المخادعة ، ثم ثانيا : ما المراد بمخادعة الله ؟ وثالثا : أنهم لماذا كانوا يخادعون الله ؟ ورابعا : أنه ما المراد بقوله وما يخدعون إلا أنفسهم ؟ 
 [ ص: 57 ] المسألة الأولى : اعلم أنه لا شبهة في أن الخديعة مذمومة  ، والمذموم يجب أن يميز من غيره لكي لا يفعل ، وأصل هذه اللفظة الإخفاء ، وسميت الخزانة المخدع ، والأخدعان عرقان في العنق ؛ لأنهما خفيان ، وقالوا : خدع الضب خدعا إذا توارى في جحره فلم يظهر إلا قليلا ، وطريق خيدع وخداع ، إذا كان مخالفا للمقصد بحيث لا يفطن له ، ومنه المخدع ، وأما حدها فهو إظهار ما يوهم السلامة والسداد ، وإبطان ما يقتضي الإضرار بالغير والتخلص منه ، فهو بمنزلة النفاق في الكفر والرياء في الأفعال الحسنة ، وكل ذلك بخلاف ما يقتضيه الدين ؛ لأن الدين يوجب الاستقامة والعدول عن الغرور والإساءة ، كما يوجب المخالصة لله تعالى في العبادة ، ومن هذا الجنس وصفهم المرائي بأنه مدلس إذا أظهر خلاف مراده ، ومنه أخذ التدليس في الحديث  ؛ لأن الراوي يوهم السماع ممن لم يسمع ، وإذا أعلن ذلك لا يقال إنه مدلس . 
المسألة الثانية : وهي أنهم كيف خادعوا الله تعالى ؟ فلقائل أن يقول : إن مخادعة الله تعالى ممتنعة  من وجهين : 
الأول : أنه تعالى يعلم الضمائر والسرائر فلا يجوز أن يخادع ؛ لأن الذي فعلوه لو أظهروا أن الباطن بخلاف الظاهر لم يكن ذلك خداعا ، فإذا كان الله تعالى لا يخفى عليه البواطن لم يصح أن يخادع . 
الثاني : أن المنافقين لم يعتقدوا أن الله بعث الرسول إليهم فلم يكن قصدهم في نفاقهم مخادعة الله تعالى ، فثبت أنه لا يمكن إجراء هذا اللفظ على ظاهره بل لا بد من التأويل وهو من وجهين : 
الأول : أنه تعالى ذكر نفسه وأراد به رسوله على عادته في تفخيم وتعظيم شأنه قال : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله    ) [الفتح : 10] وقال في عكسه : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه    ) [الأنفال : 41] أضاف السهم الذي يأخذه الرسول إلى نفسه ، فالمنافقون لما خادعوا الرسول قيل إنهم خادعوا الله تعالى . 
الثاني : أن يقال : صورة حالهم مع الله حيث يظهرون الإيمان وهم كافرون صورة من يخادع ، وصورة صنيع الله معهم حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم وهم عنده في عداد الكفرة صورة صنيع الله معهم حيث امتثلوا أمر الله فيهم فأجروا أحكامه عليهم . 
				
						
						
