ولما ذكر من يرث بالفرض أعقبه بمن يرث بالتعصيب وبمن يرث به تارة وبالفرض أخرى وبمن يجمع بينهما وشرع في بيان هذه الثلاثة بادئا بتعريف العاصب فقال [ درس ] ( ولعاصب ) عطف على قوله لوارثه وفيه إشارة لتفسير قوله صلى الله عليه وسلم { ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الورثة فلأولى رجل ذكر } والعاصب من العصوبة وهي القوة والشدة وعرفه بقوله ( ورث المال ) كله إذا انفرد ( أو الباقي بعد الفرض ) وقد يسقط إذا استغرقت الفروض التركة كما في بنت وأخت شقيقة وأخ لأب فقوله أو الباقي أي إن بقي شيء ، وإلا سقط وشمل تعريفه المعتق وبيت المال بخلاف من ضبطه بأنه كل ذكر يدلي للميت لا بواسطة أنثى فإنه لا يشمل ابن المعتقة ونحوه ولا بيت المال إلا بتسمح وكلامه رحمه الله تعالى في العاصب بنفسه لا العاصب بغيره ولا مع غيره إذ العصوبة فيهما طارئة لا أصلية والعاصب بغيره هو النسوة الأربعة ذوات النصف [ ص: 466 ] إذا اجتمع كل مع أخيه والعاصب مع غيره هو الأخت الشقيقة أو لأب إذا اجتمعت مع بنت أو بنت ابن فإذا قيل عاصب بغيره فالغير عاصب ، وإذا قيل عاصب مع غيره فالغير ليس بعاصب .
ولما بين العاصب بالحد بينه بالعد فقال ( وهو الابن ثم ابنه ) ، وإن سفل والأقرب من ابن الابن يحجب الأبعد ، وأشار بثم في هذا وما بعده إلى أن ما بعدها مؤخر في الرتبة عما قبلها ولا يرث مع الابن أو ابن الابن من أصحاب الفروض إلا الأب فله معه السدس ، وإلا الأم أو الجدة ، وإلا الزوج أو الزوجة ( وعصب كل ) من الابن أو ابنه ( أخته ) ولو حكما كابن ابن مع بنت عمه المساوية له في الرتبة فإنه أخوها حكما وكذا يعصب ابن الابن النازل بنت الابن الأعلى منه إذا لم يكن لها شيء في الثلثين كبنتين وبنت ابن وابن ابن ابن فلولا هو لم ترث بنت الابن شيئا كما تقدم وتسمى البنت أو بنت الابن حينئذ عصبة بالغير كما تقدم ( ثم الأب ) عند عدم الابن أو ابنه ، وأما معه فيرث بالفرض لا بالتعصيب .
( ثم الجد ) ، وإن علا في حال عدم الأب ويحجب الأقرب الأبعد ( والإخوة ) وعطفهم بالواو على الجد ; لأنهم في رتبته ولما كان يوهم التساوي من كل وجه قال ( كما تقدم ) أي على الوجه الذي تقدم في الجد والإخوة . ولما كان للإخوة رتبتان أبدل منهم لبيان التفصيل قوله ( الشقيق ثم الأب ) عند عدم الشقيق فقوله ( وهو كالشقيق عند عدمه ) مستغنى عنه لكنه ذكره ليرتب عليه قوله ( إلا ) في ( الحمارية ) نسبة للحمار ( والمشتركة ) عطف مرادف وتسمى أيضا الحجرية واليمية ; لأنهم قالوا لعمر رضي الله عنه هب أن أبانا كان حمارا أو حجرا ملقى في اليم أي البحر وسميت مشتركة لمشاركة الشقيق فيها الإخوة للأم أي فليس الأخ للأب في الحمارية كالشقيق عند عدمه بل يسقط ; لأنه عاصب ، والشقيق فيها ورث بالفرض تبعا للإخوة لأمه ، وأركانها أربعة أشار لها بقوله ( زوج وأم أو جدة ) بدلها ( وأخوان ) فصاعدا ( لأم ) ليكون لهما الثلث فلو انفرد الأخ للأم لأخذ السدس والباقي للعاصب ( وشقيق وحده أو مع غيره ) من الأشقاء ذكرا أو أنثى أو هما أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم أو الجدة السدس واحد وللإخوة للأم الثلث اثنان ( فيشاركون ) أي الأشقاء ( الإخوة للأم ) في الثلث ( الذكر كالأنثى ) بلا مفاضلة لاشتراكهم في ولادة الأم ويختلف التصحيح بقلتهم وكثرتهم وتسقط الإخوة للأب ، وإلى هذا رجع عمر في ثاني عام من خلافته بعد أن قضى فيها أول عام من خلافته بأن لا شيء للأشقاء عملا بمقتضى القاعدة من سقوط العاصب إذا استغرقت الفروض التركة فقال له الشقيق ما تقدم وقيل قائله زيد بن ثابت وقيل غير ذلك فقضى عمر بالشركة بينهم فلو كان مكان الشقيق شقيقة فقط لم تكن مشتركة وعيل لها بالنصف فتبلغ تسعة بالعول ولو كان شقيقتان لعيل لهما بالثلثين فتبلغ عشرة ، وهي غاية عول الستة فلو كان فيها جد [ ص: 467 ] لسقط جميع الإخوة وكان ما بقي بعد فرض الزوج والأم للجد وحده وهو الثلث لسقوط الإخوة للأم به والأشقاء إنما يرثون فيها بالأم والجد يسقط كل من يرث بالأم وتلقب حينئذ بشبه المالكية وتقدمت .
( وأسقطه ) أي الأخ للأب ( أيضا ) أي كما سقط في الحمارية الأخت ( الشقيقة التي ) هي ( كالعاصب لبنت ) أي مع بنت فأكثر فاللام بمعنى مع ( أو بنت ابن فأكثر ) فإذا مات عن بنت أو بنت ابن فأكثر وعن أخت شقيقة ، وأخ لأب سقط الأخ للأب ; لأن الشقيقة مع البنات عصبات فلو كان الأخ شقيقا أو كانت الأخت لأب لعصبها أخوها المساوي لها ( ثم ) يلي الأخ الشقيق والذي للأب ( بنوهما ) وينزلون منزلة آبائهم فابن الأخ الشقيق يقدم على ابن الأخ للأب ( ثم العم الشقيق ثم ) العم ( للأب ثم عم الجد الأقرب فالأقرب ) فيقدم الابن على ابن الابن وهكذا والأخ على ابن الأخ وعصبة الابن على عصبة الأب وعصبة الأب على عصبة الجد ( وإن ) كان الأقرب ( غير شقيق ) فيقدم الأخ للأب على ابن الأخ الشقيق وابن الأخ الشقيق على ابن الأخ للأب وابن الأخ للأب على العم ، والعم الشقيق على العم للأب ، وهو يقدم على ابن العم الشقيق ، وهو على ابن العم لأب وهو على عم الأب الشقيق وهو على عم الأب لأب ، وهكذا كما أشار له بقوله ( وقدم مع التساوي ) في المنزلة كالإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم ، وأعمام الأب وبنيهم ( الشقيق ) على غيره ( مطلقا ) أي في جميع المراتب فالأخ الشقيق يقدم على غيره وابن الأخ الشقيق يقدم على غيره .
وهكذا وهو معنى قول الجعبري : وبالجهة التقديم ثم بقربه وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا فجهة البنوة تقدم على جهة الأبوة ، وجهة الأبوة تقدم على جهة الجدودة والأخوة ثم بنو الإخوة ثم العمومة ثم بنو العمومة الأقرب فالأقرب فإن لم يكن أقرب فالتقديم بالقوة بأن يقدم الشقيق من هذه الجهات على غير الشقيق ( ثم ) يلي عصبة النسب ( المعتق ) ذكرا أو أنثى ( كما تقدم ) في باب الولاء أي على الوجه الذي تقدم ذكره هناك [ ص: 468 ]
( ثم ) يليه ( بيت المال ) ، وإن لم يكن منتظما وحسبه ربه فيأخذ جميع المال إن انفرد أو الباقي بعد ذوي الفروض ( ولا يرد ) على ذوي السهام عند عدم العاصب بل يدفع الباقي لبيت المال وقال علي يرد على كل وارث بقدر ما ورث سوى الزوج والزوجة فلا يرد عليهما إجماعا ( ولا يدفع ) ما فضل عن ذوي السهام إذا لم يوجد عاصب من النسب أو الولاء ( لذوي الأرحام ) بل ما فضل لبيت المال كما إذا لم يوجد ذو فرض ولا عاصب وقيد بعض أئمتنا ذلك بما إذا كان الإمام عدلا ، وإلا فيرد على ذوي السهام ويدفع لذوي الأرحام ، وهذا القيد هو المعول عليه عند الشافعية والمراد بذوي الأرحام من لا يرث من الأقارب كالعمة وبنات الأخ وكل جدة أدلت بأنثى والخالات ، وأولاد الجميع وتفصيل ذلك يطلب من المطولات .


