فصل 
عدنا إلى سياق حجته - صلى الله عليه وسلم - . ثم نهض - صلى الله عليه وسلم - إلى أن نزل بذي طوى   ، وهي  [ ص: 207 ] المعروفة الآن بآبار الزاهر  ، فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم اغتسل من يومه ، ونهض إلى مكة  ، فدخلها نهارا من أعلاها من الثنية العليا التي تشرف على الحجون  ، وكان في العمرة يدخل من أسفلها ، وفي الحج دخل من أعلاها ، وخرج من أسفلها ، ثم سار حتى دخل المسجد وذلك ضحى . 
وذكر  الطبراني  ، أنه دخله من باب بني عبد مناف  ، الذي يسميه الناس اليوم باب بني شيبة   . 
وذكر  الإمام أحمد   : أنه كان إذا دخل مكانا من دار يعلى  ، استقل البيت  فدعا . 
وذكر  الطبراني   : أنه كان إذا نظر إلى البيت  قال اللهم زد بيتك هذا تشريفا ، وتعظيما ، وتكريما ، ومهابة  . وروي عنه ، أنه كان عند رؤيته يرفع يديه ويكبر ويقول :" اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام ، اللهم زد هذا البيت  تشريفا ، وتعظيما ، وتكريما ، ومهابة ، وزد من حجه ، أو اعتمره تكريما ، وتشريفا ، وتعظيما ، وبرا  " ، وهو مرسل ولكن سمع هذا  سعيد بن المسيب  من  عمر بن الخطاب   - رضي الله عنه - يقوله . 
 [ ص: 208 ] فلما دخل المسجد عمد إلى البيت  ، ولم يركع تحية المسجد ، فإن تحية المسجد الحرام  الطواف ، فلما حاذى الحجر الأسود  ، استلمه ولم يزاحم عليه ، ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني ، ولم يرفع يديه ، ولم يقل نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا ، ولا افتتحه بالتكبير كما يفعله من لا علم عنده ، بل هو من البدع المنكرات ، ولا حاذى الحجر الأسود  بجميع بدنه ثم انفتل عنه وجعله على شقه بل استقبله ، واستلمه ، ثم أخذ عن يمينه وجعل البيت  عن يساره ، ولم يدع عند الباب بدعاء ولا تحت الميزاب ، ولا عند ظهر الكعبة  وأركانها ، ولا وقت للطواف ذكرا معينا ، لا بفعله ولا بتعليمه بل حفظ عنه بين الركنين : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار   ) ورمل في طوافه هذا الثلاثة الأشواط الأول ، وكان يسرع في مشيه ، ويقارب بين خطاه ، واضطبع بردائه ، فجعل طرفيه على أحد كتفيه ، وأبدى كتفه الأخرى ومنكبه ، وكلما حاذى الحجر الأسود  ، أشار إليه أو استلمه بمحجنه ، وقبل المحجن ، والمحجن : عصا محنية الرأس وثبت عنه أنه استلم الركن اليماني. ولم يثبت عنه أنه قبله ، ولا قبل يده عند استلامه ، وقد روى  الدارقطني   : عن  ابن عباس  ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( يقبل الركن اليماني ، ويضع خده عليه  ) ، وفيه عبد الله بن مسلم بن هرمز  ، قال  الإمام أحمد   : صالح الحديث وضعفه غيره . 
ولكن المراد بالركن اليماني هاهنا ، الحجر الأسود  ، فإنه يسمى الركن اليماني ، ويقال له مع الركن الآخر اليمانيان ،  [ ص: 209 ] ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب : العراقيان ؛ ويقال للركنين اللذين يليان الحجر : الشاميان . ويقال للركن اليماني ، والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة   : الغربيان ، ولكن ثبت عنه أنه قبل الحجر الأسود  ، وثبت عنه أنه استلمه بيده فوضع يده عليه ثم قبلها ، وثبت عنه أنه استلمه بمحجن ، فهذه ثلاث صفات ، وروي عنه أيضا ، أنه وضع شفتيه عليه طويلا يبكي . 
وذكر  الطبراني  عنه بإسناد جيد : أنه كان إذا استلم الركن اليماني ، قال : " بسم الله والله أكبر "  . 
وكان كلما أتى على الحجر الأسود  قال :" الله أكبر "  . 
وذكر  أبو داود الطيالسي  ،  وأبو عاصم النبيل  ، عن جعفر بن عبد الله بن عثمان  ، قال رأيت  محمد بن عباد بن جعفر  قبل الحجر وسجد عليه ، ثم قال رأيت  ابن عباس  يقبله ويسجد عليه ، وقال  ابن عباس   : رأيت  عمر بن الخطاب  قبله وسجد عليه ، ثم قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل هكذا ففعلت  . 
وروى  البيهقي  عن  ابن عباس   : أنه قبل الركن اليماني ، ثم سجد عليه ثم قبله ، ثم سجد عليه ثلاث مرات. 
وذكر أيضا عنه قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد على الحجر  . 
 [ ص: 210 ] ولم يستلم - صلى الله عليه وسلم - ولم يمس من الأركان إلا اليمانيين فقط ، قال  الشافعي   - رحمه الله - : ولم يدع أحد استلامهما هجرة لبيت الله ، ولكن استلم ما استلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأمسك عما أمسك عنه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					