ذكر حيلة لأمير المسلمين ظهرت ظهورا غريبا  
كان بالمغرب إنسان اسمه  محمد بن إبراهيم الكزولي  ، سيد قبيلة كزولة  ومالك جبلها ، وهو جبل شامخ ، وهي قبيلة كثيرة ، وبينه وبين أمير المسلمين   يوسف بن تاشفين  مودة واجتماع ، فلما كان هذه السنة أرسل  يوسف  إلى   محمد بن إبراهيم  يطلب الاجتماع به ، فركب إليه  محمد  ، فلما قاربه خافه على نفسه ، فعاد إلى جبله ، واحتاط لنفسه ، فكتب إليه  يوسف  ، وحلف له أنه ما أراد به إلا الخير ، ولم يحدث نفسه بغدر ، فلم يركن  محمد  إليه . 
فدعا  يوسف  حجاما ، وأعطاه مائة دينار ، وضمن له مائة دينار أخرى ، إن هو سار إلى   محمد بن إبراهيم  واحتال على قتله . 
فسار الحجام ، ومعه مشاريط مسمومة ، فصعد الجبل ، فلما كان الغد خرج ينادي لصناعته بالقرب من مساكن  محمد  ، فسمع  محمد  الصوت ، فقال : هذا الحجام من بلدنا ؟ فقيل : إنه غريب ، فقال أراه يكثر الصياح ، وقد ارتبت بذلك ، ائتوني به . فأحضر عنده ، فاستدعى حجاما آخر وأمره   [ ص: 332 ] أن يحجمه بمشاريطه التي معه ، فامتنع الحجام الغريب ، فأمسك وحجم فمات ، وتعجب الناس من فطنته . 
فلما بلغ ذلك  يوسف  ازداد غيظه ولج في السعي في أذى يوصله إليه ، فاستمال قوما من أصحاب  محمد  ، فمالوا إليه ، فأرسل إليهم جرارا من عسل مسموم ، فحضروا عند  محمد  وقالوا : قد وصل إلينا قوم معهم جرار من عسل أحسن ما يكون ، وأردنا إتحافك به ، وأحضروها بين يديه ، فلما رآه أمر بإحضار خبز ، وأمر أولئك الذين أهدوا إليه العسل أن يأكلوا منه ، فامتنعوا . 
واستعفوه من أكله ، فلم يقبل منهم ، وقال : من لم يأكل قتل بالسيف ، فأكلوا فماتوا عن آخرهم . 
فكتب إلى   يوسف بن تاشفين     : إنك قد أردت قتلي بكل وجه ، فلم يظفرك الله بذلك ، فكف عن شرك ، فقد أعطاك الله المغرب بأسره ، ولم يعطني غير هذا الجبل ، وهو في بلادك كالشامة البيضاء في الثور الأسود ، فلم تقنع بما أعطاك الله ، - عز وجل - . 
فلما رأى  يوسف  أن سره قد انكشف وأنه لا يمكنه في أمره شيء لحصانة جبله أعرض عنه وتركه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					