( فصل ) : 
وأما صفة التيمم  فهي أنه بدل بلا شك ، لأن جوازه معلق بحال عدم الماء لكنهم اختلفوا في كيفية البدلية من وجهين : أحدهما - الخلاف فيه مع غير أصحابنا ، والثاني مع أصحابنا ، ( أما ) الأول فقد قال أصحابنا : إن التيمم بدل مطلق وليس ببدل ضروري وعنوا به أن الحدث يرتفع بالتيمم إلى وقت وجود الماء في حق الصلاة المؤداة ، إلا أنه يباح له الصلاة مع قيام الحدث . 
وقال  الشافعي    : التيمم بدل ضروري ، وعنى به أنه يباح له الصلاة مع قيام الحدث حقيقة للضرورة كطهارة المستحاضة وجه قوله : لتصحيح هذا الأصل أن التيمم لا يزيل هذا الحدث ، بدليل أنه لو رأى الماء تعود الجنابة والحدث ، مع أن رؤية الماء ليست بحدث ، فعلم أن الحدث لم يرتفع لكن أبيح له أداء الصلاة مع قيام الحدث للضرورة كما في المستحاضة . 
( ولنا ) ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { التيمم وضوء المسلم ، ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء أو يحدث   } فقد سمى التيمم وضوءا والوضوء مزيل للحدث وقال : صلى الله عليه وسلم { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا   } ، والطهور اسم للمطهر ، فدل على أن الحدث يزول بالتيمم إلا أن زواله مؤقت إلى غاية وجود الماء ، فإذا وجد الماء يعود الحدث السابق لكن في المستقبل لا في الماضي ، فلم يظهر في حق الصلاة المؤداة ، وعلى هذا الأصل يبنى التيمم قبل دخول الوقت أنه جائز عندنا . 
وعند  الشافعي  لا يجوز ; لأنه بدل مطلق عند عدم الماء فيجوز قبل دخول الوقت وبعده ، وعنده بدل ضروري فتتقدر بدليته بقدر الضرورة ، ولا ضرورة قبل دخول الوقت ، وعلى هذا يبنى أيضا أنه إذا تيمم في الوقت يجوز له أن يؤدي ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يجد الماء أو يحدث عندنا ، وعنده لا يجوز له أن يؤدي به فرضا آخر غير ما تيمم لأجله ، وله أن يصلي به النوافل لكونها تابعة للفرائض ، وثبوت الحكم في التبع لا يقف على وجود علة على حدة أو شرط على حدة فيه ، بل وجود ذلك في الأصل يكفي لثبوته في التبع كما هو مذهبه في طهارة المستحاضة ، وعلى هذا يبني أنه إذا تيمم للنفل  [ ص: 56 ] يجوز له أن يؤدي به النفل والفرض عندنا ، وعنده لا يجوز له أداء الفرض ; لأن التبع لا يستتبع الأصل ، وعلى هذا قال الزهري    : إنه لا يجوز التيمم لصلاة النافلة رأسا ; لأنه طهارة ضرورية والضرورة في الفرائض لا في النوافل ، وعندنا يجوز ; لأنه طهارة مطلقة حال عدم الماء ; ولأنه كان لا يحتاج إلى إسقاط الفرض عن نفسه به يحتاج إلى إحراز الثواب لنفسه ، والحاجة إلى إحراز الثواب حاجة معتبرة فيجوز أن يعتبر الطهارة لأجله ; ولهذا اعتبرت طهارة المستحاضة في حق النوافل بلا خلاف كذا ههنا ، ( وأما ) الخلاف الذي مع أصحابنا في كيفية البدلية فهو أنهم اختلفوا في أن التراب بدل عن الماء عند عدمه ، والبدلية بين التراب وبين الماء أو التيمم بدل عن الوضوء عند عدمه ، والبدلية بين التيمم وبين الوضوء ، فقال  أبو حنيفة   وأبو يوسف    : إن التراب بدل عن الماء عند عدمه ، والبدلية بين التراب والماء . 
وقال  محمد    : التيمم بدل عن الوضوء عند عدمه ، والبدلية بين التيمم وبين الوضوء واحتج  محمد  لتصحيح أصله بالحديث ، وهو قوله : صلى الله عليه وسلم { التيمم وضوء المسلم   } الحديث سمى التيمم وضوءا دون التراب ، وهما احتجا بالكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله : تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا    } أقام الصعيد مقام الماء عند عدمه . 
وأما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {   : التراب طهور المسلم   } 
وقال { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا   } ويتفرع عن هذا الاختلاف أن المتيمم إذا أم المتوضئين جازت إمامته إياهم ، وصلاتهم جائزة إذا لم يكن مع المتوضئين ماء في قول ،  أبي حنيفة   وأبي يوسف  وإن كان معهم ماء لا تجوز صلاتهم ، وعند  محمد  لا يجوز اقتداؤهم به سواء كان معهم ماء أو لم يكن ، وعند  زفر  يجوز ، كان معهم ماء أو لم يكن ، وجه البناء على هذا الأصل أن عند  محمد  لما كانت البدلية بين التيمم وبين الوضوء فالمقتدي إذا كان على وضوء لم يكن تيمم الإمام طهارة في حقه ، لوجود الأصل في حقه ، فكان مقتديا بمن لا طهارة له في حقه فلا يجوز اقتداؤه به ، كالصحيح إذا اقتدى بصاحب الجرح السائل أنه لا يجوز له ، لأن طهارة الإمام ليست بطهارة في حق المقتدي ، فلم تعتبر طهارته في حقه فكان مقتديا بمن لا طهارة له في حقه ، فلم يجز اقتداؤه به كذا هذا ، ولما كانت البدلية بين التراب وبين الماء عندهما فإذا لم يكن مع المقتدين ماء كان التراب طهارة مطلقة في حال عدم الماء ، فيجوز اقتداؤهم به فصار كاقتداء الغاسل بالماسح بخلاف صاحب الجرح السائل ; لأن طهارته ضرورية ; لأن الحدث يقارنها أو يطرأ عليها فلا تعتبر في حق الصحيح ، وإذا كان معهم ماء فقد فات الشرط في حق المقتدين فلا يبقى التراب طهورا في حقهم ، فلم تبق طهارة الإمام طهارة في حقهم فلا يصح اقتداؤهم به ، وعلى هذا الأصل المتيمم إذا أم المتوضئين ولم يكن معهم ماء ، ثم رأى واحد منهم الماء ولم يعلم به الإمام والآخرون ، حتى فرغوا فصلاته فاسدة . 
وقال  زفر    : لا تفسد وهو رواية عن  أبي يوسف    ; لأنه متوضئ في نفسه ، فرؤية الماء لا تكون مفسدة في حقه ، وإنما تفسد صلاته بفساد صلاة الإمام وهي صحيحة ، . 
( ولنا ) أن طهارة الإمام جعلت عدما في حقه لقدرته على الماء الذي هو أصل ، إذ لا يبقى الخلف مع وجود الأصل فصار معتقدا فساد صلاة الإمام ، والمقتدي إذا اعتقد فساد صلاة الإمام تفسد صلاته ، كما لو اشتبهت عليهم القبلة فتحرى الإمام إلى جهة والمقتدي إلى جهة أخرى ، وهو يعلم أن إمامه يصلي إلى جهة أخرى لا يصح اقتداؤه به كذا هذا ، ثم نتكلم في المسألة ابتداء : فحجة  محمد  ما روي عن  علي  رضي الله عنه أنه قال : لا يؤم المتيمم المتوضئين ، ولا المقيد المطلقين وهذا نص في الباب ، وحجتهما ما روينا من حديث  عمرو بن العاص  رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية ، وما روي عن  علي  فهو مذهبه وقد خالفه  ابن عباس  رضي الله عنه والمسألة إذا كانت مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم لا يكون قول البعض حجة على البعض ، على أن فيه أنه لا يؤم ، وليس فيه أنه لو أم لا يجوز ، وهذا كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه   } ثم لو أم جاز كذا هذا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					