( وأما ) الثاني - وهو بيان الوقت المستحب للتيمم ،  فقد قال أصحابنا : إن المسافر إذا كان على طمع من وجود الماء في آخر الوقت يؤخر التيمم إلى آخر الوقت ، وإن لم يكن على طمع من وجود الماء في آخر الوقت لا يؤخر . 
وهكذا روى المعلى  عن  أبي حنيفة   وأبي يوسف  أنه إن كان على طمع من وجود الماء في آخر الوقت ، أخر إلى آخر الوقت مقدار ما لو لم يجد الماء يمكنه أن يتيمم ويصلي في الوقت ، وإن لم يكن على طمع لا يؤخر ويتيمم ويصلي في الوقت المستحب ، وذكر في الأصل أحب إلي أن يؤخر التيمم إلى آخر الوقت ولم يفصل بين ما إذا  [ ص: 55 ] كان يرجو وجود الماء في آخره أو لا يرجو . 
وهذا لا يوجب اختلاف الرواية بل يجعل رواية المعلى  تفسيرا لما أطلقه في الأصل وهو قول جماعة من التابعين ، مثل الزهري  والحسن   وابن سيرين  رضي الله عنهم فإنهم قالوا : يؤخر التيمم إلى آخر الوقت إذا كان يرجو وجود الماء . 
وقال جماعة : لا يؤخر ما لم يستيقن بوجود الماء في آخر الوقت وبه أخذ  الشافعي    . 
وقال  مالك    : المستحب له أن يتيمم في وسط الوقت والصحيح قولنا ; لما روي عن  علي  رضي الله عنه أنه قال في مسافر أجنب يتلوم إلى آخر الوقت ، ولم يرو عن غيره من الصحابة خلافه فيكون إجماعا والمعنى فيه أن أداء الصلاة بطهارة الماء أفضل ; لأنها أصل والتيمم بدل ; ولأنها طهارة حقيقة وحكما ; والتيمم طهارة حكما لا حقيقة ; فإذا كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت كان في التأخير أداء الصلاة بأكمل الطهارتين فكان التأخير مستحبا ، فأما إذا لم يرج لا يستحب إذ لا فائدة في التأخير ، ولو تيمم في أول الوقت وصلى فإن كان عالما أن الماء قريب بأن كان بينه وبين الماء أقل من ميل لم تجز صلاته بلا خلاف ، لأنه واجد للماء ، وإن كان ميلا فصاعدا جازت صلاته وإن كان يمكنه أن يذهب ويتوضأ ويصلي في الوقت ، وعند  زفر  لا يجوز لما يذكر وإن لم يكن عالما بقرب الماء أو بعده تجوز صلاته ، سواء كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت أو لا ، سواء كان بعد الطلب أو قبله عندنا خلافا  للشافعي    ; لما مر أن العدم ثابت ظاهرا ، واحتمال الوجود احتمال لا دليل عليه فلا يعارض الظاهر ، ولو أخبر في آخر الوقت أن الماء بقرب منه بأن كان بينه وبين الماء أقل من ميل لكنه يخاف لو ذهب إليه وتوضأ تفوته الصلاة عن وقتها ، لا يجوز له التيمم بل يجب عليه أن يذهب ويتوضأ ويصلي خارج الوقت عند أصحابنا الثلاثة   ، وعند  زفر  يجزئه التيمم ، والأصل أن المعتبر عند أصحابنا الثلاثة   القرب والبعد لا الوقت ، وعند  زفر  المعتبر هو الوقت لا قرب الماء وبعده . 
وجه قوله أن التيمم شرع للحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت ، فكان المنظور إليه هو الوقت فيتيمم كي لا تفوته الصلاة عن الوقت كما في صلاة الجنازة والعيدين . 
( ولنا ) أن هذه الصلاة لا تفوته أصلا بل إلى خلف وهو القضاء ، والفائت إلى خلف قائم معنى بخلاف صلاة الجنازة والعيدين ; لأنها تفوت أصلا لما يذكر في موضعه فجاز التيمم فيها لخوف الفوات والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					