وقد اتفق أهل العلم بالنقل ، والرواية ، والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف ، والكذب فيهم قديم ، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب قال : أبو حاتم الرازي [1]
. سمعت يونس بن عبد الأعلى [2] يقول : [3] قال أشهب بن عبد العزيز [4] سئل مالك عن [ ص: 60 ] الرافضة ، فقال : لا تكلمهم ، ولا ترو عنهم ، فإنهم يكذبون ، وقال . أبو حاتم : حدثنا حرملة [5] [ قال ] [6] : سمعت الشافعي يقول : لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة ، وقال . مؤمل بن إهاب [7] : سمعت يزيد بن هارون [8] يقول : يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة ، فإنهم يكذبون ، وقال . محمد بن سعيد الأصبهاني [9] : سمعت شريكا يقول : أحمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة ، فإنهم يضعون الحديث ، ويتخذونه دينا ، [ وشريك هذا هو شريك بن عبد الله القاضي ، قاضي الكوفة ، من أقران الثوري ، وأبي حنيفة ، وهو من الشيعة الذي يقول بلسانه : أنا من الشيعة ، وهذه شهادته فيهم ] [10] ، وقال أبو معاوية [11] : سمعت الأعمش يقول : أدركت الناس ، وما يسمونهم إلا الكذابين ، يعني [ ص: 61 ] أصحاب المغيرة بن سعيد [12] قال . الأعمش : ولا عليكم ألا تذكروا [13] هذا ، فإني لا آمنهم أن يقولوا : إنا أصبنا الأعمش [14] مع امرأة .
وهذه آثار ثابتة رواها [15] [ أبو عبد الله ] [16] بن بطة في ( الإبانة الكبرى . ) [17] هو وغيره ، وروى أبو القاسم الطبري ( * كلام الشافعي فيهم من وجهين من رواية الربيع [18] قال : سمعت * ) [19] . الشافعي يقول : ما رأيت في أهل الأهواء قوما [ ص: 62 ] أشهد بالزور من الرافضة ، ورواه أيضا من طريق حرملة ، وزاد في ذلك : ما رأيت أشهد على الله بالزور من الرافضة ، وهذا المعنى ، وإن كان صحيحا ، فاللفظ الأول هو الثابت عن الشافعي ، ولهذا ذكر الشافعي ما ذكره أبو حنيفة ، وأصحابه أنه يرد [20] شهادة من عرف بالكذب كالخطابية
[21] ورد شهادة من عرف بالكذب متفق عليه بين الفقهاء ، وتنازعوا في شهادة سائر أهل الأهواء هل تقبل مطلقا ؟ أو ترد مطلقا ؟ أو ترد شهادة الداعية إلى البدع ؟ وهذا القول الثالث هو الغالب على أهل الحديث لا يرون الرواية عن الداعية إلى البدع ، ولا شهادته ، ولهذا لم يكن في كتبهم الأمهات كالصحاح ، والسنن ، والمسانيد [22] الرواية عن المشهورين بالدعاء إلى البدع ، وإن كان فيها الرواية عمن فيه نوع من [ ص: 63 ] بدعة كالخوارج [23] ، والشيعة ، والمرجئة [24] ، والقدرية ، وذلك . لأنهم [25] لم يدعوا الرواية عن هؤلاء للفسق كما يظنه بعضهم ، ولكن من أظهر بدعته . وجب الإنكار عليه بخلاف من أخفاها ، وكتمها ، وإذا وجب الإنكار عليه كان من ذلك أن يهجر حتى ينتهي عن إظهار بدعته ، ومن هجره أن لا يؤخذ عنه العلم ، ولا يستشهد .
وكذلك تنازع الفقهاء في الصلاة خلف أهل الأهواء ، والفجور منهم من أطلق ( 4 الإذن ، ومنهم من أطلق 4 ) [26] المنع ، والتحقيق أن الصلاة خلفهم لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا ، وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين ، ومن هذا الباب ترك عيادتهم ، وتشييع جنائزهم كل هذا من باب الهجر المشروع في إنكار المنكر للنهي عنه [27] .
وإذا عرف أن هذا هو من باب العقوبات الشرعية علم أنه يختلف [ ص: 64 ] باختلاف الأحوال من قلة البدعة ، وكثرتها ، وظهور السنة ، وخفائها ، وأن المشروع [28] قد يكون [29] هو التأليف تارة ، والهجران أخرى ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتألف أقواما من المشركين ممن هو [30] حديث عهد بالإسلام [31] ، [ ومن يخاف عليه الفتنة ] [32] ، فيعطي المؤلفة قلوبهم ما لا يعطي غيرهم .
قال في الحديث الصحيح : ( إني أعطي رجالا ، وأدع رجالا [33] ، والذي أدع أحب إلي من الذي [34] أعطي . أعطي رجالا لما جعل الله . [35] في قلوبهم من الهلع ، والجزع ، وأدع رجالا لما [ جعل الله . ] [36] في قلوبهم من الغنى ، والخير ، منهم عمرو بن تغلب . ) [37]
وقال : ( إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله على [ ص: 65 ] وجهه في النار . ) [38] ، [ أو كما قال ] [39] . وكان يهجر بعض المؤمنين ، [40] كما هجر الثلاثة الذين خلفوا في [41] غزوة تبوك [42] ؛ لأن المقصود دعوة الخلق إلى طاعة الله بأقوم طريق ، فيستعمل الرغبة حيث تكون أصلح ، والرهبة حيث تكون أصلح .
ومن عرف هذا تبين له أن من رد الشهادة والرواية مطلقا من أهل البدع المتأولين ، فقوله ضعيف ، فإن السلف قد دخلوا بالتأويل في أنواع عظيمة .
ومن جعل المظهرين للبدعة أئمة في العلم ، والشهادة لا ينكر عليهم بهجر ، ولا ردع ، فقوله ضعيف أيضا ، وكذلك من صلى خلف المظهر للبدع ، والفجور من غير إنكار عليه ، ولا استبدال به من هو خير منه مع القدرة على ذلك ، فقوله ضعيف ، وهذا يستلزم إقرار المنكر الذي يبغضه الله ، ورسوله مع القدرة على إنكاره ، وهذا لا يجوز ، ومن أوجب الإعادة على [ كل ] [43] [ ص: 66 ] من صلى خلف كل [44] ذي ، فجور ، وبدعة ، فقوله ضعيف ، فإن السلف ، والأئمة [45] من الصحابة ، والتابعين صلوا خلف هؤلاء ، وهؤلاء لما كانوا ولاة عليهم ، ولهذا كان من أصول أهل السنة أن الصلوات التي يقيمها ولاة الأمور تصلى خلفهم على أي حال كانوا ، كما يحج معهم ، ويغزى معهم ، وهذه المسائل [46] مبسوطة في غير هذا الموضع .
والمقصود هنا أن العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف أهل القبلة ، ومن تأمل كتب الجرح ، والتعديل المصنفة في أسماء الرواة ، والنقلة ، وأحوالهم - مثل كتب يحيى بن سعيد القطان ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، والبخاري ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم الرازي ، والنسائي ، وأبي حاتم بن حبان ، وأبي أحمد بن عدي . والدارقطني ، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي ، ويعقوب بن سفيان الفسوي [47] ، وأحمد بن عبد الله بن صالح العجلي ، والعقيلي ، ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، والحاكم النيسابوري ، والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري ، وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة ، ونقاد ، وأهل معرفة بأحوال الإسناد - رأى المعروف عندهم بالكذب في الشيعة [48] أكثر منهم في جميع الطوائف حتى أن أصحاب الصحيح كالبخاري [ ص: 67 ] لم يرو عن أحد من قدماء الشيعة مثل عاصم بن ضمرة [49] ، والحارث الأعور [50] ، وعبد الله بن سلمة [51] ، وأمثالهم مع أن هؤلاء [ من ] [52] خيار الشيعة ، ( 5 وإنما يروي أصحاب الصحيح حديث علي عن أهل بيته 5 ) [53] كالحسن ، والحسين [54] ، ومحمد ابن الحنفية ، وكاتبه [ عبيد الله ] [55] بن أبي رافع ، أو عن [56] أصحاب عبد الله [57] بن مسعود : كعبيدة السلماني ، والحارث بن قيس ، أو عمن يشبه هؤلاء ، وهؤلاء أئمة النقل ، ونقاده من أبعد الناس عن الهوى ، وأخبرهم بالناس ، وأقولهم بالحق [58] لا يخافون في الله لومة لائم .
والبدع متنوعة [59] ، فالخوارج مع أنهم مارقون يمرقون من الإسلام كما . [ ص: 68 ] يمرق السهم من الرمية ، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم ، واتفق الصحابة ، وعلماء المسلمين على قتالهم ، وصح فيهم الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عشرة أوجه رواها مسلم . [ في صحيحه ] [60] روى البخاري ثلاثة منها [61] ليسوا ممن يتعمد الكذب ، بل هم معروفون بالصدق حتى يقال : إن حديثهم من أصح الحديث لكنهم جهلوا ، وضلوا في بدعتهم ، ولم تكن بدعتهم عن زندقة ، وإلحاد ، بل عن جهل ، وضلال في معرفة معاني الكتاب .
وأما الرافضة ، فأصل بدعتهم عن زندقة ، وإلحاد ، وتعمد الكذب كثير فيهم [62] ، وهم يقرون بذلك حيث يقولون : ديننا التقية ، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه ، وهذا هو الكذب والنفاق ، ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة ، ويصفون السابقين الأولين بالردة ، والنفاق ، فهم في ذلك ، كما قيل : رمتني بدائها ، وانسلت [ ص: 69 ] إذ ليس في المظهرين [63] للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم ، ولا يوجد المرتدون ، والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم ، واعتبر ذلك بالغالية من النصيرية ، وغيرهم ، وبالملاحدة الإسماعيلية ، وأمثالهم .
وعمدتهم في الشرعيات ما نقل لهم عن بعض أهل البيت ، وذلك النقل منه ما هو صدق ، ومنه ما هو كذب عمدا ، أو خطأ ، وليسوا أهل معرفة بصحيح المنقول وضعيفه كأهل المعرفة بالحديث ، ثم إذا صح [ النقل ] [64] عن بعض [65] هؤلاء ، فإنهم بنوا وجوب قبول قول الواحد من هؤلاء على ثلاثة أصول : على أن الواحد من هؤلاء معصوم مثل عصمة الرسول ، وعلى أن ما يقوله أحدهم ، فإنما يقول نقلا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأنهم قد علم منهم أنهم قالوا : مهما قلنا ، فإنما نقوله نقلا عن الرسول ، ويدعون العصمة في أهل [66] النقل ، والثالث [67] : أن إجماع العترة حجة ، ثم يدعون أن العترة هم الاثنا عشر ، ويدعون أن ما نقل عن أحدهم ، فقد أجمعوا [ كلهم ] [68] عليه .
فهذه أصول الشرعيات عندهم ، وهي أصول فاسدة ، كما سنبين ذلك في موضعه لا يعتمدون على القرآن ، ولا على الحديث ، ولا على إجماع إلا لكون المعصوم منهم ، ولا على القياس ، وإن كان ، واضحا جليا [69] .


