والجواب : أما قوله [1] عن عامر بن واثلة وما ذكره يوم الشورى ، فهذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث [2] ، ولم يقل علي رضي الله عنه يوم الشورى شيئا من هذا ولا ما يشابهه [3] ، بل قال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : لئن أمرتك لتعدلن ؟ قال : نعم . قال : وإن [4] بايعت عثمان لتسمعن وتطيعن ؟ قال : نعم . وكذلك قال لعثمان . ومكث عبد الرحمن [5] ثلاثة أيام يشاور المسلمين .
ففي الصحيحين [6] - وهذا لفظ البخاري [7] - عن عمرو بن ميمون في [ ص: 60 ] مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن [8] : اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم . قال [9] الزبير : قد جعلت أمري إلى علي . وقال [10] طلحة : قد جعلت أمري [ إلى عثمان . وقال سعد : قد جعلت أمري ] [11] إلى عبد الرحمن [12] . فقال عبد الرحمن : أيكم تبرأ [13] من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام . لينظرن أفضلهم في نفسه [14] ؟ فأسكت الشيخان . فقال عبد الرحمن : أتجعلونه إلي والله علي أن لا آلو [15] عن أفضلكم . قالا : نعم ، فأخذ بيد أحدهما ، فقال : لك قرابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقدم في الإسلام ما قد علمت ، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن . ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك ، فلما أخذ الميثاق قال : ارفع يدك يا عثمان [16] .
[ ص: 61 ] وفي حديث المسور بن مخرمة [17] قال المسور [18] : إن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا . قال لهم عبد الرحمن [19] : لست بالذي أتكلم في هذا الأمر [20] ولكنكم إن شئتم [21] اخترت لكم منكم فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن ، فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم مال الناس على عبد الرحمن [ حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع ذلك الرهط ولا يطأ عقبه ، ومال الناس على عبد الرحمن ] [22] يشاورونه تلك [23] الليالي ، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا [24] عثمان . قال المسور : طرقني عبد الرحمن بعد هجع [25] من الليل ، فضرب الباب حتى استيقظت ، فقال : أراك نائما ؛ فوالله ما اكتحلت هذه الليلة [26] بكبير نوم ، انطلق فادع الزبير وسعدا ، فدعوتهما له ، فشاورهما [27] ، ثم دعاني ، فقال : ادع لي عليا ، فدعوته ، فناجاه [ حتى إبهار الليل ، ثم قام علي من عنده وهو على طمع ، وقد كان عبد الرحمن يخشى [ ص: 62 ] من علي شيئا . ثم قال : ادع لي عثمان ، فدعوته فناجاه ] [28] حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح ؛ فلما صلى الناس الصبح ، واجتمع أولئك الرهط عند المنبر أرسل إلي من [29] كان حاضرا من المهاجرين والأنصار ، وأرسل إلى أمراء الأجناد ، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر ، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ، ثم قال : أما بعد يا علي إني [30] قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان ، فلا تجعلن على نفسك سبيلا . فقال : أبايعك على سنة الله ورسوله [31] والخليفتين من بعده ، فبايعه عبد الرحمن ، وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون . هذا لفظ البخاري .
وفي هذا الحديث الذي ذكره هذا الرافضي أنواع من الأكاذيب التي نزه الله عليا عنها ، مثل احتجاجه بأخيه وعمه وزوجته ، وعلي رضي الله عنه أفضل من هؤلاء ، وهو يعلم أن أكرم الخلق عند الله أتقاهم . ولو قال العباس : هل فيكم مثل أخي حمزة ومثل أولاد إخوتي [32] محمد وعلي وجعفر ؟ لكانت هذه الحجة من جنس تلك ، بل احتجاج الإنسان ببني إخوته أعظم من احتجاجه بعمه . ولو قال عثمان هل فيكم من تزوج بنتي نبي [33] ؟ لكان من جنس قول القائل هل فيكم من زوجته كزوجتي [34] ؟ وكانت فاطمة قد ماتت قبل الشورى كما ماتت زوجتا عثمان ، فإنها ماتت [ ص: 63 ] بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو ستة أشهر [35] .
وكذلك قوله : هل فيكم من له ولد كولدي [36] ؟ .
وفيه أكاذيب متعددة ، مثل قوله : ما سألت الله شيئا إلا وسألت لك مثله . وكذلك قوله : لا يؤدي عني إلا علي . من الكذب [37] .
وقال الخطابي في كتاب شعار الدين [38] : وقوله : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي . هو شيء جاء به أهل الكوفة عن زيد بن يثيع [39] ، وهو متهم في الرواية منسوب إلى الرفض . وعامة [40] من بلغ عنه غير أهل بيته ، فقد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام ويعلم الأنصار القرآن ويفقههم في الدين . وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك ، وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن ، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة . فأين قول من زعم أنه لا يبلغ عنه إلا رجل من أهل بيته ؟ .
وأما حديث ابن عباس ففيه أكاذيب : منها قوله : كان لواؤه معه في كل [ ص: 64 ] زحف ؛ فإن هذا من الكذب المعلوم ، إذ لواء النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوم أحد مع مصعب بن عمير باتفاق الناس ، ولواؤه يوم الفتح كان مع الزبير بن العوام ، وأمره [41] رسول الله [42] - صلى الله عليه وسلم - أن يركز رايته بالحجون ، فقال العباس للزبير بن العوام [43] : أهاهنا أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تركز الراية ؟ أخرجه البخاري في صحيحه [44] . وكذلك قوله : " وهو الذي صبر معه يوم حنين " .
وقد علم أنه لم يكن أقرب إليه من العباس بن عبد المطلب ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، والعباس آخذ [45] بلجام بغلته ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركابه ، وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم : " ناد أصحاب السمرة " قال : فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة ؟ فوالله كأن عطفتهم علي حين سمعوا صوتي عطفة [46] البقر على أولادها ، فقالوا : يا لبيك يا لبيك . والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ، " ونزل عن بغلته وأخذ كفا من حصى فرمى بها [47] القوم وقال : " انهزموا ورب الكعبة " قال العباس : " فوالله ما هو إلا [ ص: 65 ] أن رماهم فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا ، حتى هزمهم الله " . أخرجاه في الصحيحين [48] . وفي لفظ للبخاري قال : " وأبو سفيان آخذ بلجام بغلته [49] " وفيه : " قال العباس : لزمت أنا وأبو سفيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فلم نفارقه " [50] .
وأما غسله - صلى الله عليه وسلم - وإدخاله قبره ، فاشترك فيه أهل بيته ، [ ص: 66 ] كالعباس وأولاده ، ومولاه شقران [51] ، وبعض الأنصار ، لكن علي كان [52] يباشر الغسل ، والعباس حاضر لجلالة العباس ، وأن عليا أولاهم بمباشرة ذلك .
وكذلك قوله : " هو أول عربي وعجمي [53] صلى " يناقض ما هو المعروف عن ابن عباس .


