فصل 
وأما حديث المعراج  وقوله فيه : إن الملائكة المقربين والملائكة الكروبيين لما سمعت فضائل  علي  وخاصته ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم [1]  : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون  من موسى  ؟ " اشتاقت إلى  علي  فخلق الله [2] لها ملكا على صورة  علي   " . 
فالجواب : أن هذا [3] من كذب الجهال الذين لا يحسنون أن يكذبوا ، فإن المعراج كان بمكة  قبل الهجرة بإجماع الناس  ، كما قال تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير   [ سورة الإسراء : 1 ] . 
 [ ص: 67 ]  [ وكان الإسراء من المسجد الحرام   ] [4]  . وقال : والنجم إذا هوى  ما ضل صاحبكم وما غوى  وما ينطق عن الهوى  إن هو إلا وحي يوحى   [ سورة النجم ] إلى قوله : أفتمارونه على ما يرى  ولقد رآه نزلة أخرى  عند سدرة المنتهى   [ سورة النجم : 12 - 14 ] إلى قوله : أفرأيتم اللات والعزى   [ سورة النجم : 19 ] وهذا كله نزل بمكة  بإجماع الناس . 
وقوله : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون  من موسى  ؟ " قاله في غزوة تبوك  ، وهي آخر الغزوات عام تسع من الهجرة . فكيف يقال إن الملائكة ليلة المعراج سمعوا قوله : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون  من موسى    " ؟ . 
ثم قد علم أن الاستخلاف على المدينة  مشترك ، فكل الاستخلافات التي قبل غزوة تبوك  وبعد تبوك  كان يكون بالمدينة رجال من المؤمنين المطيعين [5] يستخلف عليهم . وغزوة [6] تبوك  لم يكن فيها رجل مؤمن مطيع إلا من عذره الله ممن هو عاجز عن الجهاد ، فكان المستخلف عليهم في غزوة تبوك  أقل وأضعف من المستخلف عليهم في جميع أسفاره ومغازيه وعمره وحجه ، وقد سافر [ النبي صلى الله عليه وسلم ] [7] من المدينة  قريبا من ثلاثين سفرة ، وهو يستخلف فيها من يستخلفه ، كما استخلف في غزوة الأبواء   سعد بن عبادة  [8] ، واستخلف في غزوة [9]  [ ص: 68 ] بواط   سعد بن معاذ  [10] ، ثم لما رجع وخرج في طلب كرز بن جابر ( * الفهري  استخلف  زيد بن حارثة  [11] ، واستخلف في غزوة العشيرة أبا سلمة بن عبد الأشهل  [12] ، وفي غزوة بدر  استخلف  ابن أم مكتوم  [13] ، واستخلفه في غزوة قرقرة  الكدر  [14] ، ولما ذهب إلى بني سليم  ، وفي غزوة [15] حمراء الأسد  ، وغزوة بني النضير  ، وغزوة بني قريظة   : واستخلفه [16] لما خرج في طلب اللقاح التي استاقها عيينة بن حصن  ، ونودي ذلك [17] اليوم : يا خيل الله اركبي ، وفي غزوة الحديبية  ، واستخلفه في غزوة الفتح ، واستخلف  [ ص: 69 ] أبا لبابة  في غزوة بني قينقاع  وغزوة السويق ، واستخلف  عثمان بن عفان  في غزوة غطفان  التي يقال لها غزوة أنمار ، واستخلفه في غزوة ذات الرقاع ، واستخلف  ابن رواحة  في غزوة بدر  الموعد ، واستخلف سباع بن عرفطة الغفاري  في غزوة دومة الجندل  وفي غزوة خيبر  ، واستخلف  زيد بن حارثة  في غزوة المريسيع ، واستخلف أبا رهم  [18] في عمرة [19] القضية * ) [20] ، وكانت تلك الاستخلافات أكمل من استخلاف  علي  رضي الله عنه عام تبوك  ، وكلهم كانوا منه بمنزلة [21] هارون  من موسى  ، إذ المراد التشبيه في أصل الاستخلاف [22]  . 
وإذا قيل : في تبوك  كان السفر بعيدا . 
قيل : ولكن كانت المدينة  وما حولها أمنا ، لم يكن هناك عدو يخاف ، لأنهم كلهم أسلموا ، ومن لم يسلم ذهب . وفي غير تبوك  كان العدو موجودا حول المدينة  ، وكان يخاف على من بها ، فكان خليفته يحتاج إلى مزيد اجتهاد ولا يحتاج إليه في الاستخلاف في تبوك  [23]  . 
				
						
						
