وأما قول القائل : " إن  عليا  بدأهم بالقتال "   . 
قيل له [1]  . 
: وهم أولا امتنعوا [2]  . 
من طاعته ومبايعته ، وجعلوه ظالما مشاركا [3]  . 
في دم [4]  . 
 عثمان  ، وقبلوا عليه شهادة الزور ، ونسبوه إلى ما هو بريء منه . 
وإذا قيل [5]  . 
: هذا وحده لم يبح له [6]  . 
قتالهم . 
 [ ص: 411 ] قيل : ولا كان قتاله مباحا لكونه عاجزا عن قتل قتلة  عثمان  ، بل لو كان قادرا على قتل قتلة  عثمان  وقدر أنه ترك هذا الواجب : إما متأولا وإما مذنبا ، لم يكن ذلك موجبا لتفريق الجماعة ، والامتناع عن مبايعته ، ولمقاتلته ن : ومقاتلته . 
، بل كانت مبايعته على كل حال [7]  . 
، أصلح في الدين ، وأنفع للمسلمين ، وأطوع لله ولرسوله من ترك مبايعته . 
فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثا : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم  " [8]  . 
. 
وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " على المرء المسلم السمع والطاعة في : عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه  ، وأثرة عليه ، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة  " [9]  . 
. 
وفي الصحيحين عن عبادة   - رضي الله عنه - قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة : في يسرنا وعسرنا ، ومنشطنا ومكرهنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول - أو نقوم - بالحق حيث ما كنا [10]  . 
، لا نخاف في الله لومة لائم  " [11]  . 
. وفي الصحيح عن  [ ص: 412 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من رأى من أمير شيئا يكرهه فليصبر عليه ; فإنه من فارق الجماعة قيد شبر [ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه   " . وفي رواية : فارق الجماعة قيد شبر ] [12]  . 
فمات فميتته [ ميتة ] [13]  . 
جاهلية  " [14]  \ 113 . 
. 
وفي الصحيح من حديث  ابن عمر  [15]  . 
- رضي الله عنه - قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية  " [16]  \ 561 . 
. 
وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال [17]  ) . 
: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة [18]  . 
، ولا يزكيهم ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم : رجل لا يبايع إماما إلا لدنيا : إن أعطاه منها رضي وإن منع سخط  . . " الحديث . [19]  . . 
 [ ص: 413 ] وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة  " [20]  \ 382 . 
. 
 وعلي   - رضي الله عنه - كان قد بايعه أهل الكوفة  [21]  . 
، ولم يكن في وقته أحق منه بالخلافة ، وهو خليفة راشد تجب طاعته . [ ومعلوم أن قتل القاتل إنما شرع عصمة للدماء ، فإذا أفضى قتل الطائفة القليلة إلى قتل أضعافها ، لم يكن هذا طاعة ولا مصلحة ، وقد قتل بصفين أضعاف أضعاف قتلة  عثمان   ] [22]  . 
. 
وأيضا فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق  " [23]  \ 306 . 
يدل على أن  عليا  وأصحابه أدنى إلى الحق من  معاوية  وأصحابه ، [ فلا يكون  معاوية  وأصحابه في قتالهم  لعلي  أدنى إلى الحق ] [24]  . 
. 
وكذلك حديث عمار [ بن ياسر   ] [25]  . 
ت : " تقتلك الفئة الباغية  " قد رواه  [ ص: 414 ]  مسلم  في صحيحه من غير وجه ، ورواه  البخاري  ، لكن في كثير من النسخ لم يذكره تاما [26]  . 
. وأما تأويل من تأوله : أن  عليا  وأصحابه قتلوه ، وأن الباغية الطالبة بدم  عثمان   ; فهذا من التأويلات الظاهرة الفساد ، التي يظهر فسادها للعامة والخاصة . والحديث ثابت في الصحيحين ، وقد صححه  أحمد بن حنبل  وغيره من الأئمة ، وإن كان قد روي عنه أنه ضعفه ، فآخر الأمرين منه تصحيحه [27]  . 
. 
قال  يعقوب بن شيبة  في مسنده [ في المكيين ] [28]  . 
في مسند  عمار بن ياسر  ، لما ذكر أخبار  عمار   : سمعت  أحمد بن حنبل  سئل عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمار : " تقتلك الفئة الباغية  " فقال  أحمد   : قتلته [29]  . 
الفئة الباغية ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال : في هذا غير حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا . وقال  البخاري  في صحيحه : 1 [30]  . " حدثنا مسدد  ، حدثنا عبد العزيز بن [ المختار   ] [31]  . 
، حدثنا  خالد الحذاء  عن عكرمة  ، قال :  [ ص: 415 ] قال لي  ابن عباس  ولابنه [32]  . 
: انطلقا إلى  أبي سعيد  واسمعا من حديثه ، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه ، فأخذ رداءه فاحتبى ، ثم أنشأ يحدثنا ، حتى أتى على ذكر بناء المسجد ، فقال : كنا نحمل لبنة لبنة ،  وعمار  لبنتين لبنتين ، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجعل ينفض التراب عنه ، ويقول : " ويح  عمار  تقتله الفئة الباغية  ، يدعوهم إلى الجنة ، ويدعونه إلى النار " قال : يقول  عمار   : أعوذ بالله من الفتن  . 
ورواه البخاري من وجه آخر 4 [33]  ) . ، عن عكرمة  ، عن  أبي سعيد الخدري  [34]  " . 
، لكن في كثير من النسخ لا يذكر الحديث بتمامه ، بل فيها : " ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار  " . ولكن لا يختلف أهل العلم بالحديث أن هذه الزيادة هي في الحديث . 
قال  أبو بكر البيهقي  وغيره : " قد رواه غير واحد عن  خالد الحذاء  ، عن عكرمة  ، عن  ابن عباس   - رضي الله عنهما - " . وظن  البيهقي  وغيره أن  البخاري  لم يذكر الزيادة ، واعتذر عن ذلك بأن هذه الزيادة لم يسمعها  [ ص: 416 ] أبو سعيد  من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن حدثه بها أصحابه ، مثل أبي قتادة  [35]  . 
. 
كما رواه  مسلم  في صحيحه [36]  . 
من حديث  شعبة  ، عن أبي نضرة  ، عن  أبي سعيد  [37]  . 
، قال : أخبرني من هو خير مني : أبو قتادة  [38]  . 
، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال  لعمار   : " تقتلك الفئة الباغية  " . 
وفي حديث داود بن أبي هند  ، عن أبي نضرة  ، عن  أبي سعيد  ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " تمرق مارقة فتقتلهم أولى الطائفتين بالله  " [39]  . 
. 
وكان  عمار  يحمل لبنتين لبنتين . قال : فلم أسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن جئت إلى أصحابي وهم يقولون : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ويحك ابن سمية تقتلك الفئة الباغية  " [40]  . 
رواه  مسلم   [ ص: 417 ] في صحيحه  والنسائي  وغيرهما من حديث ابن عون  ، عن  الحسن البصري  ، عن أمه ، عن  أم سلمة  ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تقتل  عمارا  الفئة الباغية  " [41]  . 
. ورواه أيضا من حديث  شعبة  ، عن خالد  ، عن سعيد بن أبي الحسن  ،  والحسن  ، عن أمهما [42]  . 
، عن  أم سلمة   - رضي الله عنها - [43]  . 
. وفي بعض طرقه أنه قال ذلك في حفر الخندق [44]  . 
. 
وذكر  البيهقي  وغيره أن هذا غلط . والصحيح أنه إنما قاله يوم بناء المسجد . وقد قيل : إنه يحتمل أنه قاله مرتين . 
وقد روي هذا من وجوه أخرى من حديث  عمرو بن العاص  وابنه عبد الله  [45]  . 
، ومن حديث  عثمان بن عفان  [46]  - . 
، ومن حديث  عمار  نفسه [47]  . 
. وأسانيد هذه مقاربة [48]  . 
. وقد روي من وجوه أخرى واهية . وفي الصحيح ما يغني عن غيره . 
 [ ص: 418 ] والحديث ثابت صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بالحديث 
[49] ، والذين قتلوه هم الذين باشروا قتله . والحديث أطلق فيه لفظ " البغي " لم يقيده بمفعول ، كما قال تعالى : (لا يبغون عنها حولا   ) سورة الكهف ، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الذين هم فيكم تبع لا يبغون أهلا ولا مالا  " [50]  . 
. 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					