قال الرافضي [1] : " وأعظموا أمر عائشة على باقي نسوانه ، مع أنه - عليه السلام - [2]
كان يكثر من ذكر خديجة بنت خويلد ، وقالت له عائشة : إنك تكثر [ من ] [3]
ذكرها ، وقد أبدلك الله خيرا منها . فقال : والله ما بدلت بها ما هو خير منها ك : أبدلت بها من هو خير منها .
صدقتني إذ كذبني الناس ، وآوتني إذ طردني الناس ، وأسعدتني بمالها ، ورزقني الله الولد منها ، ولم أرزق من غيرها ) .
والجواب أولا أولا : ساقطة من ( ب ) ، ( ص ) .
: أن يقال : إن أهل السنة ليسوا مجمعين على أن عائشة [ ص: 302 ] أفضل نسائه ، بل قد ذهب إلى ذلك كثير من أهل السنة ، واحتجوا بما في الصحيحين عن أبي موسى وعن أنس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " [4]
والثريد هو أفضل الأطعمة لأنه خبز ولحم ، كما قال الشاعر :
إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد
.وذلك أن البر أفضل الأقوات ، واللحم أفضل الإدام [5]
، كما في الحديث الذي رواه ابن قتيبة وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " سيد إدام [ أهل ] أهل : ساقطة من ( ن ) ، ( م ) .
الدنيا والآخرة اللحم " [6]
فإذا كان اللحم سيد [ ص: 303 ] الإدام ، والبر سيد الأقوات ، ومجموعهما الثريد ، كان الثريد أفضل الطعام . وقد صح من غير وجه عن الصادق المصدوق أنه قال : " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " .
وفي الصحيح عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله ، أي الناس [7]
أحب إليك ؟ قال : " عائشة " قلت : [8]
الرجال ؟ قال : " أبوها " قلت : ثم من ؟ قال : " عمر " وسمى رجالا
[9]
وهؤلاء يقولون : قوله لخديجة : " ما أبدلني الله بخير منها " [10]
: إن صح معناه : [ ما ] [11]
أبدلني بخير [12]
لي منها ; لأن [13]
خديجة نفعته في أول الإسلام نفعا لم يقم غيرها فيه مقامها ، فكانت خيرا له من هذا الوجه ، لكونها نفعته وقت الحاجة ، لكن عائشة [14]
صحبته في آخر النبوة وكمال الدين ، فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلا [ ص: 304 ] أول زمن [15] النبوة ، فكانت أفضل بهذه
[16] الزيادة ، فإن الأمة انتفعت بها أكثر مما انتفعت بغيرها ، وبلغت من العلم والسنة [17]
ما لم يبلغه غيرها ، فخديجة كان خيرها مقصورا على نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تبلغ عنه شيئا ، ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعوا بعائشة ، ولا كان الدين قد كمل أ
[18] حتى تعلمه ويحصل لها من كمال الإيمان به ما حصل لمن علمه وآمن به [19] .
بعد كماله ، ومعلوم أن من اجتمع همه على شيء واحد كان أبلغ فيه ممن تفرق همه في أعمال متنوعة ; فخديجة - رضي الله تعالى عنها - خير له من هذا الوجه ، ولكن أنواع البر لم تنحصر في ذلك . ألا ترى أن من كان من الصحابة [20]
[ أعظم إيمانا وأكثر جهادا بنفسه وماله ، كحمزة وعلي وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وغيرهم - هم أفضل ممن كان يخدم النبي ] [21]
صلى الله عليه وسلم وينفعه في نفسه أكثر منهم ، كأبي رافع وأنس بن مالك وغيرهما .
وفي الجملة الكلام في تفضيل عائشة وخديجة ليس هذا موضع استقصائه . لكن المقصود هنا أن أهل السنة مجمعون على تعظيم [22]
عائشة ومحبتها ، وأن نساءه أمهات المؤمنين اللاتي [23] مات عنهن كانت [ ص: 305 ] عائشة أحبهن إليه وأعلمهن [24]
وأعظمهن حرمة عند المسلمين .
وقد ثبت في الصحيح أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة [25]
، لما يعلمون من حبه [26]
إياها ، حتى إن نساءه غرن من ذلك ، وأرسلن إليه فاطمة - رضي الله عنها - فقلن له [27]
: نسألك العدل [28]
في ابنة أبي قحافة . فقال لفاطمة : " أي بنية : [29] .
تحبين ما أحب ؟ " قالت : بلى . قال : " فأحبي هذه " الحديث وهو في الصحيحين [30] .
.
* وفي الصحيحين أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا [ ص: 306 ] عائش [31]
هذا جبريل يقرأ عليك السلام " فقالت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته [32]
، ترى ما لا نرى * [33]
[34] " ولما أراد فراق سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة - رضي الله عنها - بإذنه - صلى الله عليه وسلم - [35] ، وكان في مرضه الذي مات فيه يقول : " أين أنا اليوم
[36] ؟ " استبطاء ليوم عائشة ، ثم استأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة - رضي الله عنها - فمرض فيه ، وفي بيتها توفي بين سحرها ونحرها وفي حجرها [37]
، وجمع الله [38]
بين ريقه [ ص: 307 ] وريقها [39] .
وكانت - رضي الله عنها - مباركة على أمته ، حتى قال أسيد بن حضير لما أنزل الله آية التيمم بسببها : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ، ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله فيه للمسلمين بركة [40]
.
[ ص: 308 ] وكان قد نزلت
[41] آيات
[42] براءتها قبل ذلك لما رماها أهل الإفك ، فبرأها الله من فوق سبع سماوات ، وجعلها من الطيبات [43]
.


