فصل . ر ، ه ، ص : الفصل السادس والعشرون . 
قال الرافضي [1] 
: " وأذاعت سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنك تقاتلين  عليا  وأنت ظالمة له [2] 
، ثم إنها خالفت أمر الله في قوله تعالى : ( وقرن في بيوتكن   ) [ سورة الأحزاب : 33 ] وخرجت 
[3] في ملأ من الناس لتقاتل  عليا  على غير ذنب ، لأن المسلمين أجمعوا على قتل  [ ص: 309 ]  عثمان  ، وكانت هي في كل وقت تأمر بقتله ، وتقول : اقتلوا نعثلا [4]  . 
، قتل الله نعثلا ; لما [5] 
بلغها قتله فرحت بذلك ، ثم سألت : من تولى الخلافة ؟ فقالوا :  علي  فخرجت لقتاله [6] 
على دم  عثمان  ، فأي ذنب كان  لعلي  على ذلك ؟ وكيف [7]  . 
استجاز  طلحة   والزبير  وغيرهما مطاوعتها على ذلك ؟ وبأي وجه يلقون رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ مع أن الواحد منا لو تحدث مع [8] 
امرأة غيره وأخرجها من منزلها أو سافر بها [9] 
كان أشد الناس عداوة له ، وكيف أطاعها على ذلك عشرات ألوف [10] 
من المسلمين ، وساعدوها على حرب أمير المؤمنين [11] 
ولم ينصر أحد منهم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما طلبت حقها من  أبي بكر  ، ولا شخص واحد [ كلمه ] [12] 
بكلمة واحدة ؟ " . 
والجواب : أن يقال : أما أهل السنة فإنهم في هذا الباب وغيره قائمون بالقسط شهداء لله ، وقولهم حق وعدل لا يتناقض . وأما الرافضة  وغيرهم  [ ص: 310 ] من أهل البدع ففي أقوالهم من الباطل والتناقض ما ننبه - إن شاء الله تعالى - على بعضه ، وذلك أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة  ، وكذلك أمهات المؤمنين :  عائشة  وغيرها ،  وأبو بكر   وعمر   وعثمان   وعلي   وطلحة   والزبير  هم سادات أهل الجنة [ بعد الأنبياء ، وأهل السنة يقولون : إن أهل الجنة ] [13]  . 
ليس من شرطهم سلامتهم عن [14] 
الخطأ ، بل ولا عن الذنب [15] 
، بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنبا صغيرا أو كبيرا ويتوب منه [16] 
. وهذا متفق عليه بين المسلمين ، ولو لم يتب منه فالصغائر مغفورة باجتناب [17]  . 
الكبائر عند جماهيرهم ، بل وعند الأكثرين منهم أن الكبائر قد [18] 
تمحى بالحسنات التي هي أعظم منها ، وبالمصائب المكفرة وغير ذلك . 
وإذا كان هذا أصلهم فيقولون : ما يذكر [19] 
عن الصحابة من السيئات كثير منه كذب ، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه ، ولكن لم يعرف [20] 
كثير من الناس وجه اجتهادهم ، وما قدر أنه كان فيه ذنب من الذنوب [ لهم ] [21] 
فهو مغفور لهم : إما بتوبة ، وإما بحسنات ماحية ، وإما بمصائب مكفرة ، وإما بغير ذلك ; فإنه 
[22] قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه : إنهم من أهل  [ ص: 311 ] الجنة ، فامتنع أن يفعلوا ما يوجب النار لا محالة ، وإذا لم يمت أحد منهم [23] 
على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم للجنة . ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة ، ولو لم يعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يجز لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور 
[24] لا نعلم أنها توجب النار ، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة ، ليس [25] 
لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك ، فكيف يجوز مثل [26] 
ذلك في خيار المؤمنين [27] 
، والعلم بتفاصيل أحوال كل واحد واحد [28] 
[ منهم ] [29] 
باطنا وظاهرا ، وحسناته وسيئاته واجتهاداته [30]  - أمر يتعذر علينا معرفته ؟ ! فكان كلامنا في ذلك كلاما فيما لا نعلمه ، والكلام بلا علم حرام ، فلهذا كان الإمساك عما شجر بين الصحابة خيرا من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال  ، إذ كان كثير من الخوض في ذلك - أو أكثره - كلاما بلا علم ، وهذا حرام لو لم يكن فيه هوى ومعارضة الحق المعلوم ، فكيف إذا كان كلاما بهوى [31] 
يطلب فيه دفع الحق المعلوم ؟ ! وقد قال النبي - صلى الله عليه  [ ص: 312 ] وسلم - : " القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة : رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ، ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار  " [32] 
. فإذا كان هذا في قضاء بين اثنين في قليل المال أو كثيره ، فكيف بالقضاء [33] 
بين الصحابة في أمور كثيرة ؟ . 
فمن تكلم في هذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق [34] 
كان مستوجبا للوعيد ، ولو تكلم بحق لقصد [ اتباع ] [35] 
الهوى لا لوجه الله تعالى ، أو يعارض به حقا آخر ، لكان [ أيضا ] [36] 
مستوجبا للذم والعقاب . ومن علم ما دل عليه القرآن والسنة من الثناء على القوم ، ورضا الله عنهم ، واستحقاقهم الجنة ، وأنهم خير هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس - لم يعارض هذا المتيقن المعلوم بأمور مشتبهة : منها ما لا يعلم [37] 
صحته ، ومنها ما يتبين كذبه ، ومنها ما لا يعلم [38] 
كيف وقع ، ومنها ما يعلم  [ ص: 313 ] عذر القوم فيه ، ومنها ما يعلم توبتهم منه ، ومنها ما يعلم أن لهم من الحسنات ما يغمره ، فمن سلك سبيل أهل السنة استقام قوله ، وكان من أهل الحق والاستقامة والاعتدال ، وإلا حصل في جهل وكذب [39] 
وتناقض كحال هؤلاء الضلال . 
وأما قوله : " وأذاعت سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فلا ريب أن الله تعالى يقول : ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير   ) [ سورة التحريم : 3 ] . 
وقد ثبت في الصحيح [ عن  عمر   ] [40] 
أنهما 
[41]  عائشة   وحفصة  [42] 
. 
فيقال : أولا : هؤلاء يعمدون [43] 
إلى نصوص القرآن التي فيها ذكر ذنوب ومعاص بينة لمن نصت [44] 
عنه من المتقدمين [ يتأولون النصوص بأنواع التأويلات ، وأهل السنة يقولون : بل أصحاب الذنوب ] [45] 
تابوا منها ورفع الله درجاتهم بالتوبة . 
 [ ص: 314 ] وهذه الآية ليست [ بأولى ] [46]  . 
في دلالتها على الذنوب من تلك الآيات ، فإن كان تأويل تلك [47] 
سائغا كان تأويل هذه كذلك ، وإن كان تأويل هذه باطلا فتأويل تلك أبطل . 
				
						
						
