الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يذلني ويتهمني بأنني مريضة نفسياً، فكيف أتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنتُ أمًّا حنونة وعطوفة، ولا يوجد لي مثيل في التفاني مع أطفالي، أعيش لأجل سعادتهم فقط، ولأحقق ما يتمنّونه، حتى على حساب سعادتي، وكنت أنوي الحمل وأنجب، لكنني منهكة نفسيًّا وجسديًّا، وأرغب في تأجيل الحمل، رغم أنني لست صغيرة في السن.

أنا الآن موظفة براتب منخفض، لكنني كافحت لأحصل على المال؛ لأن زوجي لا يعطيني شيئًا، ويذلّني، ويحاسبني على كل فلس.

بعد أن يغادر أبنائي إلى المدارس (6 و 5 سنوات)، أجلس وحدي أرتّب وأنظّف البيت حتى الساعة الحادية عشرة صباحًا، ثم أذهب إلى عملي، وأعود إلى البيت في الساعة السادسة مساءً، فأحضّر الغداء وأتابع واجبات أطفالي، وأحاول أن أُدَرِّس طفلي، لكنه لا يركّز معي، رغم أنه ذكي جدًّا، لكنه مشتّت.

أجلس معه ساعتين أو ثلاث ساعات وهو يشرد، وذات مرة فقدت أعصابي، وبدأت أصرخ بصوت مرتفع، فجاء زوجي من الغرفة على صوتي، وكانت الدمعة في عين طفلي، وبدأتُ أبكي لأنني أخفته، فجاء زوجي وأخذ الطفل مني وصرخ في وجهي.

أريد أن يكون ابني مميزًا، فجميع أقرانه يقرؤون ويكتبون، وهو يلعب ولا يركّز، وزوجي دائمًا خارج المنزل بحجّة العمل الإضافي.

البارحة، بعد أن فقدت أعصابي أثناء تدريس طفلي، خرج زوجي ليتنزه مع الأطفال، ورفضت الذهاب معه لأنني متعبة، فقال لي: "أنت مريضة نفسيًّا"، وذهب وعاد وهو يتمتم ويُسمعني كلامًا، ويقول: "أنا أخرج من البيت أحسن من أن أبقى معك؛ لأنك مريضة نفسيًّا، ويجب أن تتعالجي"، وقال: "أريد أن أتزوج عليك امرأة رقيقة ومحبّة للحياة، ليست كئيبة مثلك".

واليوم، بعثت له رسالة اعتذار لأنني غضبت البارحة، فقال: "اذهبي إلى طبيب يعالجك على حسابي الخاص، أنت لست سويّة، ولا طبيعية"، فقلت له: "أنا متعبة ومضغوطة فقط"، فقال: "لا، أنت مريضة ويجب أن تتعالجي، وأنا كرهتك وكرهت حياتي معك، وأتمنّى أن يرزقني الله وأتزوج الثانية وأرميك".

أنا متعبة ومجهدة، وحرفيًّا أموت ببطء، لا أجد وقتًا لأجلس مع زوجي، فهو يبقى خارج المنزل أو على الهاتف، وأنا أغسل وأرتّب وأُدَرِّس.

أحيانًا، أستغفر الله العظيم وأقول: لماذا هكذا حظي؟ كنت في منزل أهلي مدلّلة، وملتزمة دينيًّا كثيرًا، وأرضي الوالدين بدرجة لا توصف، ودرست ونجحت بأعلى الدرجات، والجميع يحبّني لطيبتي وتديّني، لكني رُزقت بزوج فاشل زوجيًّا، يضرب ويطلّق ويهين، وبخيل ويذلّني، وأقول: لا يوجد لي ذنب عظيم، أو شيء سيّء فعلته لأُبتلى بهذه العيشة البائسة!

والآن، خطب ابن عمي الذي كان قد تقدّم لخطبتي ورفضته، وأقول: ليتني قبلت به، فهو كريم جدًّا، وعطوف، ولطيف، ويهتمّ، ويُقدِّر.

أنا منهارة ومتعبة، ورغم خوفي الشديد على أطفالي بدوني، إلَّا أنني أتمنّى أن أموت وأرتاح.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ راما حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يُعينك على بلوغ العافية، وأن يهدي زوجك إلى أحسن الأخلاق والأعمال؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

ونتمنى أيضًا أن تُحسني التعامل مع هذا الطفل الصغير؛ فمن الطبيعي في هذه المرحلة أن يلعب ويتحرك، وأرجو ألَّا تُقارنيه بغيره؛ فإن لكل طفل ميزات ميّزه الله -تبارك وتعالى- بها، والنبوغ عند الأطفال والتركيز أحيانًا يأتي متأخرًا، فلا تستعجلي، واجعلي الطفل يأخذ راحته ويتحرك؛ فإذا تحرك فتحركي معه، ثم أعطيه فرصة، وليس العبرة في المذاكرة أن يجلس لساعات طويلة، لكن العبرة أن يجلس ساعات مفيدة.

ولذلك؛ أرجو أن تُغيّري طريقتك في تدريسه، ومن المهم جدًّا أن تُعطي نفسك شيئًا من الراحة، حتى لا يكون هناك هذا التوتر.

وإذا كان زوجك حريصًا على أن تذهبي لطبيب؛ فلا مانع من ذلك، واعلمي أن الذهاب للأطباء ليس عيبًا، حتى لو كانت طبيبة نفسية، ما الإشكال في هذا؟ تجلسين معها، لتُساعدك بإرشاداتها إرشاداً نفسياً، مثلاً: كيف تتخلصين من هذه الضغوط، وكيف تُوازنين بين الواجبات داخل المنزل وخارجه.

ولا تقفي طويلًا أمام الكلمات التي قالها الزوج، مع أننا لا نؤيده، فهو على خطأ كبير، ونتمنى أن تُشجّعي تواصله معنا، حتى نسمع منه، ويسمع كذلك التوجيهات في مثل هذه المواطن؛ فإن الإنسان لا يجوز أن يُطلق مثل هذه الكلمات، خاصةً مع زوجته؛ لأن المرأة يصعب عليها أن تنسى مثل هذه الكلمات والمواقف.

وحاولي أن تُشجّعيه على أن يكون له دور في تعليم أطفاله والقرب منهم، والمرأة العاقلة الماهرة تُشرك زوجها في مهامها، لا تتحمل المهام وحدها؛ فإذا تعبت توترت وأخرجت غضبها وتوترها في هذا الطفل البريء الذي لا ذنب له.

فلذلك نتمنى أن تهتمي بأخذ راحة لنفسك، ونتمنى امتصاص المواقف التي تأتي من هذا الزوج، والتركيز على إيجابياته، وجعلها مدخلًا لعلاج السلبيات التي عنده، وأيضًا لا تحاولي الاعتراض على هذا الذي يحدث معك، واعلمي أن الدنيا من أولها إلى آخرها ابتلاء.

وحافظي على صلاتك، والتزامك، وبرّ والديك؛ فإن هذا مما يُعينك على النجاح في حياتك، وكوني مطيعة لزوجك، فلا تُقصّري وإن قصّر؛ لأن الحياة الزوجية عبادة لربّ البرية، حين يُقصّر الزوج يُحاسبه الله، وحين تُقصّر الزوجة يُسائلها الله؛ فلذلك لا تُقصّري إن قصّر؛ لأن الحسيب الرقيب هو الله -تبارك وتعالى- الذي عنده تُجزى كل نفس بما تسعى.

فاحرصي دائمًا أن تكوني على الخير، وغيّري طريقة التعامل مع طفلك، وبالإحسان إليه، والصبر عليه، وإذا أهمل اليوم فسيذاكر غدًا، وإذا تأخر في هذه السنة فسيتقدم في التي بعدها.

ولا تقولي: "لا يوجد لي ذنب عظيم أو شيء فعلتُه لأنال هذه المعيشة البائسة"، الامتحان من الله يأتي للمُحسن والمُسيء، وأشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، والصحابة -عليهم من الله الرضوان- خير القرون، ابتلاهم الله بطاعون مات فيه الآلاف، فالابتلاءات هذه قد تكون عقوبة، وقد تكون أيضًا رفعة للدرجة عند الله -تبارك وتعالى-، فالله يعدُّ للإنسان منازل لا يبلغها إلَّا بصبر على البلاء.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممَّن إذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً