[ المسألة الثالثة ]  
[  إذا غاب الأب عن ابنته البكر هل تنتقل الولاية أو لا      ]  
وأما المسألة الثالثة ( وهي غيبة الأب عن ابنته البكر ) : فإن في المذهب فيها تفصيلا واختلافا ، وذلك راجع إلى بعد المكان وطول الغيبة أو قربه والجهل بمكانه ، أو العلم به ، وحاجة البنت إلى النكاح إما لعدم النفقة ، وإما لما يخاف عليها من عدم الصون ، وإما للأمرين جميعا .  
فاتفق المذهب على أنه إذا كانت الغيبة بعيدة أو كان الأب مجهول الموضع أو أسيرا وكانت في صون وتحت نفقة أنها إن لم تدع إلى التزويج لا تزوج ، وإن دعت فتزوج عند الأسر وعند الجهل بمكانه .  
واختلفوا هل تزوج مع العلم بمكانه أم لا إذا كان بعيدا ، فقيل : تزوج وهو قول  مالك     . وقيل : لا تزوج ، وهو قول  عبد الملك  ،  وابن وهب     .  
 [ ص: 404 ] وأما إن عدمت النفقة أو كانت في غير صون فإنها تزوج أيضا في هذه الأحوال الثلاثة ( أعني : في الغيبة البعيدة ، وفي الأسر ، والجهل بمكانه ) ، وكذلك إن اجتمع الأمران ، فإذا كانت في غير صون تزوج وإن لم تدع إلى ذلك .  
ولم يختلفوا فيما أحسب أنها لا تزوج في الغيبة القريبة المعلومة لمكان إمكان مخاطبته ، وليس يبعد بحسب النظر المصلحي الذي انبنى عليه هذا النظر أن يقال : إن ضاق الوقت وخشي السلطان عليها الفساد زوجت وإن كان الموضع قريبا .  
وإذا قلنا : إنه تجوز ولاية الأبعد مع حضور الأقرب ; فإن جعلت امرأة أمرها إلى وليين فزوجها كل واحد منهما ، فإنه لا يخلو أن يكون تقدم أحدهما في العقد على الآخر ، أو يكونا عقدا معا ، ثم لا يخلو ذلك من أن يعلم المتقدم أو لا يعلم :  
فأما إذا علم المتقدم منهما فأجمعوا على أنها للأول إذا لم يدخل بها واحد منهما . واختلفوا إذا دخل الثاني ; فقال قوم : هي للأول ; وقال قوم هي للثاني ، وهو قول  مالك  ،  وابن القاسم  ، وبالأول قال   الشافعي  ،  وابن عبد الحكم     .  
وأما إن أنكحاها معا فلا خلاف في فسخ النكاح فيما أعرف .  
وسبب الخلاف في اعتبار الدخول أو لا اعتباره : معارضة العموم للقياس ، وذلك أنه قد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : "  أيما امرأة أنكحها وليان فهي للأول منهما     " . فعموم هذا الحديث يقتضي أنها للأول دخل بها الثاني أو لم يدخل . ومن اعتبر الدخول فتشبيها بفوات السلعة في البيع المكروه ، وهو ضعيف .  
وأما إن لم يعلم الأول فإن الجمهور على الفسخ . وقال  مالك     : يفسخ ما لم يدخل أحدهما . وقال  شريح     : تخير فأيهما اختارت كان هو الزوج ، وهو شاذ ، وقد روي عن   عمر بن عبد العزيز     .  
				
						
						
