[ ص: 180 ] الباب السابع  
في  صلاة الاستسقاء   
أجمع العلماء على أن الخروج إلى الاستسقاء ، والبروز عن المصر ، والدعاء إلى الله - تعالى - والتضرع إليه في نزول المطر سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واختلفوا في الصلاة في الاستسقاء ، فالجمهور على أن ذلك من سنة الخروج إلى الاستسقاء إلا   أبا حنيفة  فإنه قال : ليس من سنته الصلاة .  
وسبب الخلاف : أنه ورد في بعض الآثار  أنه استسقى وصلى  ، وفي بعضها لم يذكر فيها صلاة .  
ومن أشهر ما ورد في أنه صلى ، وبه أخذ الجمهور حديث  عباد بن تميم  عن عمه : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  خرج بالناس يستسقي ، فصلى بهم ركعتين جهر فيها بالقراءة ، ورفع يديه حذو منكبيه ، وحول رداءه ، واستقبل القبلة واستسقى     " خرجه   البخاري  ومسلم     .  
وأما الأحاديث التي ذكر فيها الاستسقاء وليس فيها ذكر للصلاة ، فمنها : حديث   أنس بن مالك  خرجه  مسلم  أنه قال : "  جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله هلكت المواشي ، وتقطعت السبل ، فادع الله   ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة     " . ومنها حديث   عبد الله بن زيد المازني  ، وفيه أنه قال : "  خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فاستسقى ، وحول رداءه حين استقبل القبلة      " ولم يذكر فيه صلاة ، وزعم القائلون بظاهر هذا الأثر أن ذلك مروي عن   عمر بن الخطاب     - أعني :  أنه خرج إلى المصلى فاستسقى ولم يصل     - .  
والحجة للجمهور أنه لم يذكر شيئا ، فليس هو بحجة على من ذكره ، والذي يدل عليه اختلاف الآثار في ذلك ليس عندي فيه شيء أكثر من أن الصلاة ليست من شرط صحة الاستسقاء ، إذ قد ثبت أنه - عليه الصلاة والسلام - قد استسقى على المنبر ، لا أنها ليست من سنته كما ذهب إليه  أبو حنيفة     . وأجمع القائلون بأن الصلاة من سنته على أن الخطبة أيضا من سنته لورود ذلك في الأثر . قال  ابن المنذر     : ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  صلى صلاة الاستسقاء وخطب     .  
واختلفوا هل هي قبل الصلاة أو بعدها ؟ لاختلاف الآثار في ذلك ، فرأى قوم أنها بعد الصلاة قياسا على العيدين ، وبه قال   الشافعي  ومالك     . وقال   الليث بن سعد     : الخطبة قبل الصلاة . قال  ابن المنذر     : قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :    " أنه استسقى فخطب قبل الصلاة     " وروي عن   عمر بن الخطاب  مثل ذلك وبه نأخذ . قال القاضي : وقد خرج ذلك  أبو داود  من طرق ، ومن ذكر الخطبة فإنما ذكرها في علمي قبل الصلاة .  
واتفقوا على أن القراءة فيها جهر ، واختلفوا هل يكبر فيها كما يكبر في العيدين ؟ فذهب  مالك  إلى أنه يكبر فيها كما يكبر في سائر الصلوات ، وذهب   الشافعي  إلى أنه يكبر فيها كما يكبر في العيدين .  
وسبب الخلاف : اختلافهم في قياسها على صلاة العيدين . وقد احتج   الشافعي  لمذهبه في ذلك بما روي عن   ابن عباس     : "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى فيها ركعتين كما يصلي في العيدين     " .  
واتفقوا على أن من سنتها أن يستقبل الإمام القبلة واقفا ويدعو ، ويحول رداءه رافعا يديه على ما جاء في الآثار ، واختلفوا في كيفية ذلك ، ومتى يفعل ذلك ؟  
فأما كيفية ذلك : فالجمهور على أنه يجعل ما على يمينه على شماله ، وما على شماله على يمينه . وقال      [ ص: 181 ]  الشافعي     : بل يجعل أعلاه أسفله ، وما على يمينه منه على يساره ، وما على يساره على يمينه .  
وسبب الاختلاف : اختلاف الآثار في ذلك ، وذلك أنه جاء في حديث   عبد الله بن زيد     : "  أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المصلى يستسقي ، فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين     " . وفي بعض رواياته قلت : "  أجعل الشمال على اليمين ، واليمين على الشمال ؟ أم أجعل أعلاه أسفله ؟ قال : بل اجعل الشمال على اليمين واليمين على الشمال     " . وجاء أيضا في حديث  عبد الله  هذا أنه قال : "  استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه خميصة له سوداء ، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها ، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه     " .  
وأما متى يفعل الإمام ذلك ، فإن  مالكا   والشافعي  قالا : يفعل ذلك عند الفراغ من الخطبة . وقال  أبو يوسف     :  يحول رداءه إذا مضى صدر من الخطبة   ، وروي ذلك أيضا عن  مالك  ، وكلهم يقول : إنه إذا حول الإمام رداءه قائما حول الناس أرديتهم جلوسا ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : "  إنما جعل الإمام ليؤتم به     " إلا  محمد بن الحسن   والليث بن سعد  وبعض أصحاب  مالك  ، فإن الناس عندهم لا يحولون أرديتهم بتحويل الإمام ، لأنه لم ينقل ذلك في صلاته - عليه الصلاة والسلام - بهم .  
وجماعة من العلماء على أن الخروج لها وقت الخروج إلى صلاة العيدين إلا   أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم  فإنه قال : إن الخروج إليها عند الزوال . وروى  أبو داود  عن  عائشة     : "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الاستسقاء حين بدا حاجب الشمس     " .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					