فصل 
النقص الحادث في المغصوب  ، ضربان : 
أحدهما : ما لا سراية له  ، فعلى الغاصب أرشه ورد الباقي ، ولا فرق بين أن يكون الأرش قدر القيمة كقطع يدي العبد أو دونها ولا بين أن تفوت معظم منافعه أو لا تفوت ، ولا بين أن يبطل بالجناية عليه الاسم الأول كذبح الشاة   [ ص: 33 ] وطحن الحنطة ، وتمزيق الثوب ، أو لا يبطل . فلو أراد المالك ترك الناقص عند الغاصب وتغريمه بدله ، لم يكن له ذلك ، لأنه عين ملكه . وفي وجه : إذا طحن الطعام ، فله تركه وطلب المثل ، لأنه أقرب إلى حقه من الدقيق . 
الضرب الثاني : ما له سراية ، لا يزال يسري إلى الهلاك الكلي  ، كما لو بل الحنطة وتمكن فيها العفن الساري ، أو اتخذ منها هريسة ، أو غصب سمنا وتمرا ودقيقا وعمله عصيدة ، وفيه نصوص وطرق مختلفة تجمعها أربعة أقوال منصوصة . أظهرها عند العراقيين : يجعل كالهالك ويغرم بدل كل مغصوب من مثل أو قيمة . والثاني : يرده مع أرش النقص ، وليس للمالك إلا ذلك ، واختاره الإمام  والبغوي     . والثالث : يتخير المالك بين موجب القولين ، واختاره  الشيخ أبو محمد  ،  والمسعودي     . والرابع : يتخير الغاصب بين أن يمسكه ويغرمه ، وبين أن يرده مع أرش النقص . 
قلت : رجح  الرافعي  في المحرر الأول أيضا . والله أعلم . 
فعلى الأول : لمن تكون الحنطة المبلولة ؟ وجهان نقلهما  المتولي     . أحدهما : تبقى للمالك كما لو نجس زيته وقلنا : لا يطهر بالغسل ، فإن المالك أولى به . والثاني : يصير للغاصب . وإذا حكمنا بالأرش مع الرد ، غرم أرش عيب سار . قال  المتولي     : فإن رأى الحاكم أن يسلم الجميع إليه فعل ، وإن رأى يسلم أرش النقص المتحقق إليه في الحال ووقف الزيادة إلى أن تتيقن نهايته . وفي هذا نظر ، لأن المفهوم من أرش العيب الساري أرش عيب شأنه السراية ، وهو حاصل   [ ص: 34 ] في الحال . أما المتولد منه ، فيجب قطع النظر عنه ، إذ الكلام في نقص لا تقف سرايته إلى الهلاك . فلو نظرنا إلى المتولد منه ، لانجر إلى تمام القيمة ، وهو عود إلى القول الأول ، وقد بين ما قلناه  أبو خلف السلمي  في شرح المفتاح فقال في قول التخيير : إن شاء المالك غرمه ما نقص إلى الآن ، ثم لا شيء له في زيادة فساد حصل بعد ذلك ، وإن شاء تركه له وطالبه بجميع البدل . 
فرع 
من صور هذا الضرب ما إذا صب الماء في الزيت وتعذر تخليصه منه ، فأشرف على الفساد    . وعن  الشيخ أبي محمد  تردد في مرض العبد المغصوب إذا كان ساريا عسر العلاج ، كالسل والاستسقاء ، ولم يرضه الإمام ، لأن المريض المأيوس منه قد يبرأ ، والعفن المفروض في الحنطة يفضي إلى الفساد قطعا . 
قلت : ولو عفن الطعام في يده لطول المكث ، فطريقان . قال   الشيخ أبو حامد     : هو كبل الحنطة . وقال   القاضي أبو الطيب     : يتعين أخذه مع الأرش قطعا ، واختاره  ابن الصباغ  ، وهو الأصح . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					