النوع الثالث : الحمل . 
قد سبق أن عدة الطلاق ثلاثة أنواع : الأقراء ، والأشهر ، وقد مضيا ، والتف أحدهما بالآخر ، والثالث : هو الحمل ، ويشترط في انقضاء العدة به شرطان ، أحدهما : كونه منسوبا إلى من العدة منه    . إما ظاهرا ، وإما احتمالا ، كالمنفي باللعان . فإذا لاعن حاملا ونفى الحمل ، انقضت عدتها بوضعه لإمكان كونها منه ، والقول قولها في العدة إذا تحقق الإمكان . 
 [ ص: 374 ] أما إذا لم يمكن أن يكون منه ، بأن مات صبي لا ينزل وامرأته حامل  ، فلا تنقضي عدتها بوضع الحمل ، بل تعتد بالأشهر . ولو مات من قطع ذكره وأنثياه ، وامرأته حامل  ، لم تنقض عدتها بوضعه على المذهب ، بناء على أنه لا يلحقه الولد . وعن  الإصطخري  والصيرفي  والقفال     : أنه يلحقه . وحكي هذا قولا   للشافعي  ، وقد سبق في " اللعان " . فعلى هذا ، تنقضي عدتها بوضعه . ومن سل خصياه وبقي ذكره ، كالفحل في لحوق الولد على المذهب ، فتنقضي العدة منه بوضعه ، سواء فيه عدة الوفاة والطلاق . وفي وجه : لا يلحقه فلا تنقضي به العدة ، وحكى   القاضي أبو الطيب  وجها أنه إن كان مسلول الخصية اليمنى لم يلحقه وإن بقيت اليسرى ، لأنه يقال : إن الماء من الخصية اليمنى ، والشعر من اليسرى . ونقل  الروياني  في جمع الجوامع ، أن   أبا بكر بن الحداد  ، كان فقيد الخصية اليمنى ، فكان لا ينزل ، وكانت لحيته طويلة ، وهذا شيء يعتمده الجمهور . 
وأما مجبوب الذكر باقي الأنثيين ، فيلحقه الولد ، فتعتد امرأته عن الوفاة بوضع الحمل ، ولا يلزمها عدة الطلاق لعدم الدخول . 
فرع 
من مات عن زوجته ، أو طلقها وهي حامل بولد  ، لا يمكن أن يكون منه ، بأن وضعته لدون ستة أشهر من حين العقد ، أو لأكثر ، ولكن كان بين الزوجين مسافة لا تقطع في تلك المدة ، لم تنقض به عدته ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الأصحاب . 
وحكى   الغزالي  في الوجيز وجهين آخرين . أحدهما : تنقضي ، لاحتمال أنه وطئها بشبهة قبل النكاح ، ويكفي الاحتمال ، كالولد المنفي باللعان . والثاني : إن ادعت وطء شبهة  ، حكم بانقضاء العدة ، لأن القول في العدة قولها مع الإمكان ، ولم يذكر هذه الأوجه في " الوسيط " و " البسيط " في هذه   [ ص: 375 ] الصورة ، بل ذكرها فيمن قال : إن ولدت فأنت طالق ، فولدت وشرعت في العدة ، ثم ولدت بعد ستة أشهر ولدا آخر . والثالث : الفرق بين أن تدعي وطئا محترما من الزوج بعد الولادة الأولى فتنقضي العدة ، أو لا فلا . 
فإذا قلنا بالمذهب ، فإن كان المولود لاحقا بغيره بوطء شبهة ، أو في عقد فاسد ، انقضت عدة الوطء بوضعه ، ثم تعتد عن الزوج بعده ، وإن كان من زنا ، اعتدت عدة الوفاة من يوم الموت ، أو عدة الطلاق من يوم الطلاق ، وتنقضي العدة مع الحمل في عدة الوفاة . وفي عدة الطلاق ، إذا كانت من ذوات الأشهر ، أو كانت من ذوات الأقراء ، ولم تر دما أو رأته ، وقلنا : إن الحامل لا تحيض وإن رأته ، وقلنا : إنه حيض ، ففي انقضاء العدة بأطهارها وهي حامل وجهان . أصحهما : الانقضاء ، لأن حمل الزنا كالمعدوم . فعلى هذا ، لو زنت في عدة الوفاة أو الطلاق ، وحبلت من الزنا  ، لم يمنع ذلك انقضاء العدة ، ولو كان الحمل مجهول الحال ، حمل على أنه من زنا ، قاله  الروياني  في " جمع الجوامع " . 
فرع 
لو نكح حاملا من الزنا  ، صح نكاحه بلا خلاف . وهل له وطؤها قبل الوضع ؟ وجهان . أصحهما : نعم ، إذ لا حرمة له ، ومنعه ابن الحداد . 
الشرط الثاني : أن تضع الحمل بتمامه ، فلو كانت حاملا بتوأمين ، لم تنقض العدة حتى تضعهما ، حتى لو كانت رجعية ، ووضعت أحدهما ، فله الرجعة قبل أن تضع الثاني ، وإنما يكونان توأمين إذا وضعتهما معا ، أو كان بينهما دون ستة أشهر ، فإن كان بينهما ستة أشهر فصاعدا ، فالثاني حمل آخر . 
فرع 
لا تنقضي العدة بخروج بعض الولد  ، ولو خرج بعضه منفصلا أو غير منفصل ولم يخرج الباقي ، بقيت الرجعة . ولو طلقها ، وقع الطلاق . ولو مات أحدهما   [ ص: 376 ] ورثه الآخر ، وكذا تبقى سائر أحكام الجنين في الذي خرج بعضه دون بعض ، كمنع توريثه ، وكسراية عتق الأم إليه ، وعدم إجزائه عن الكفارة ، ووجوب الغرة عند الجناية على الأم ، وتبعية الأم في البيع والهبة وغيرهما . وفي وجه ضعيف : إذا خرج كان حكمه حكم المنفصل كله في جميع ما ذكرنا ، إلا في العدة ، فإنها لا تنقضي إلا بفراغ الرحم ، وينسب إلى  القفال  وهو منقاس ، ولكنه بعيد في المذهب . 
				
						
						
