[ ص: 296 ] الخصلة الثانية : الصيام كفارة الظهار مرتبة  ، كما قال الله تعالى : ( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا  ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين    ) الآية . فإن كان في ملكه عبد فاضل عن حاجته ، فواجبه الإعتاق ، فإن احتاج إلى خدمته ، لزمانته ، أو مرضه ، أو كبره ، أو ضخامته المانعة من خدمته نفسه  ، فهو كالمعدوم ، وكذا لو كان من أهل المروءات ومنصبه يأبى أن يخدم نفسه وأن يباشر الأعمال التي يستخدم فيها المماليك ، لم يكلف صرفه إلى الكفارة . وإن كان من أوساط الناس ، لزمه الإعتاق على الأصح ، ولو لم يكن في ملكه عبد ووجد ثمنه ، لزمه تحصيله والإعتاق ، بشرط كونه فاضلا عن حاجته ، لنفقته وكسوته ، ونفقة عياله وكسوتهم ، وعن المسكن وما لا بد منه من الأثاث ، ولم يقدر الأصحاب للنفقة والكسوة مدة ، ويجوز أن تعتبر كفاية العمر ، ويجوز أن تعتبر سنة ، لأن المؤنات تتكرر فيها ، ويؤيده أن  البغوي  قال : يترك له ثوب الشتاء ، وثوب الصيف . 
قلت : هذا الثاني ، هو الصواب . - والله أعلم . 
ولو ملك دارا واسعة يفضل بعضها عن حاجته ، وأمكن بيع الفاضل ، لزمه بيعه وتحصيل رقبة . ولو كانت دارا نفيسة يجد بثمنها مسكنا يكفيه ويفضل ثمن رقبة ، أو كان له عبد نفيس يجد بثمنه عبدا يخدمه ، وآخر يعتقه  ، لزمه البيع والإعتاق إن لم يكونا مألوفين ، وإلا أجزأه الصوم على الأصح ، ولو كان له ثوب نفيس يجد بثمنه ثوبا يليق به ، وعبدا يعتقه  ، لزمه الإعتاق على المذهب ، وقيل بطرد الخلاف . 
قلت : قطع العراقيون أو جمهورهم ، بأنه يلزمه الإعتاق في العبد النفيس ، ونقله صاحب " الشامل " عن الأصحاب ، وصححه  المتولي     . - والله أعلم . 
 [ ص: 297 ] فرع 
لو كان له ضيعة أو رأس مال يتجر فيه ، وكان يحصل منهما كفايته بلا مزيد ، ولو بالتاعهما لتحصيل رقبة لصار في حد المساكين  ، لم يكلف بيعهما على المذهب ، وبه قطع الجمهور . 
قلت : ولو كان له ماشية تحلب ، فهي كالضيعة إن كان لا تزيد غلتها على كفايته ، لم يكلف بيعها ، وإن زادت ، لزمه بيع الزائد ، ذكره صاحب " الحاوي " قال : فلو كان له كسب بصناعة ، فإن كان قدر الكفاية ، فله الصوم ، وإن كان أكثر ، نظر ، فإن قلت : الزيادة بحيث لا تجتمع فتبلغ قيمة الرقبة إلا في زمان طويل ينسب فيه إلى تأخير التكفير ، لم يلزمه جمعها للعتق ، فجاز له الصوم . وإن كانت إذا جمعت في زمن قليل ، لا ينسب فيه إلى تأخير التكفير ، بلغت قيمة الرقبة كثلاثة أيام وما قاربها ، ففي وجوب جمعها للتكفير بالعتق ، وجهان . أشبههما : لا يلزمه ، بل له التكفير بالصوم ، فعلى هذا ، لو لم يدخل في الصوم حتى اجتمع منها قيمة الرقبة ، فهل يلزمه العتق اعتبارا بحال الأداء ، أم له الصوم اعتبارا بالوجوب ؟ فيه القولان . - والله أعلم . 
فرع 
كان ماله غائبا أو حاضرا ، لكن لم يجد الرقبة  ، فلا يجوز له العدول إلى الصوم في كفارة القتل واليمين والجماع في نهار رمضان ، بل يصبر حتى يجد الرقبة ، أو يصل المال ، لأن الكفارة على التراخي ، وبتقدير أن يموت ، لا يفوت ، بل تؤدى من تركته ، بخلاف العاجز عن ثمن الماء ، فإنه يتيمم ، لأنه لا يمكن قضاء الصلاة لو مات . وفي كفارة الظهار وجهان لتضرره بفوات الاستمتاع ، وأشار   الغزالي  والمتولي  إلى ترجيح وجوب الصبر . 
 [ ص: 298 ] فرع 
لو كانت الرقبة لا تحصل إلا بثمن غال  ، لم يلزمه شراؤها . وقال  البغوي     : يلزمه إذا وجد الثمن الغالي . 
قلت : إنما قال  البغوي  هذا اختيارا لنفسه ، فقال حكاية للمذهب : لا يلزمه ، ورأيت أن يلزمه ، وقطع الجمهور بأنه لا يلزمه ، وهو الصواب . - والله أعلم . 
فرع 
لو بيعت نسيئة وماله غائب  ، فعلى ما ذكرناه في شراء الماء في التيمم . ولو وهب له عبد وثمنه ، لم يلزمه قبوله ، لكن يستحب . 
فرع 
ذكر   ابن كج  بعد أن ذكر حكم المسكن والعبد المحتاج إليهما في الكفارة والحج وجهين في أنه هل يجوز لمن يملكهما نكاح الأمة ، أم بيعهما لطول الحرة ، ووجهين في أنهما يباعان عليه ، كما إذا أعتق شركاء له في عبد ، وإن   ابن القطان  قال : لا يلزم العريان بيعهما ؟ قال : وعندي يلزمه ، والذي قاله غلط . 
فصل 
الموسر المتمكن من الإعتاق ، يعتق ، ومن تعسر عليه الإعتاق  ، كفر بالصوم ، وهل الاعتبار في اليسار والإعسار بوقت الأداء ، أم بوقت الوجوب ، أم بأغلظ الحالين ؟ فيه أقوال . أظهرها الأول ، فعلى هذا قال الإمام : في العبارة عن الواجب قبل الأداء غموض ، ولا يتجه إلا أن يقال : الواجب أصل الكفارة ، ولا يعين خصلة ، أو يقال : يجب ما يقتضيه حالة الوجوب ، ثم إذا تبدل   [ ص: 299 ] الحال ، تبدل الواجب ، كما يلزم القادر صلاة القادرين ، ثم إذا عجز ، تبدلت صفة الصلاة ، وعلى القول الثالث وجهان ، قال الأكثرون : يعتبر أغلظ أحواله من وقت الوجوب ، إلى وقت الأداء في حال ما ، لزمه الإعتاق . والثاني : يعتبر الأغلظ من حالتي الوجوب والأداء دون ما بينهما ، صرح به الإمام ، وأشار إلى دعوى اتفاق الأصحاب عليه . فإذا قلنا : الاعتبار بحال الوجوب ، فكان موسرا وقت الوجوب ، ففرضه الإعتاق وإن أعسر بعده . واستحب   الشافعي     - رحمه الله - إذا أعسر قبل التكفير ، أن يصوم ليكون آتيا ببعض أنواع الكفارة إن مات . وإن كان معسرا يومئذ ، ففرضه الصيام ، ولا يلزمه الإعتاق وإن أيسر بعده ، لكن يجزئه على الصحيح ، لأنه أعلى من الصوم ، وقيل : لا يجزئه لتعين الصوم في ذمته . وإذا قلنا : الاعتبار بحال الأداء ، فكان موسرا يومئذ ، ففرضه الإعتاق ، وإن كان معسرا ، فالصوم . 
ولو تكلف المعسر الإعتاق باستقراض وغيره  ، أجزأه على الصحيح . ولو وجبت الكفارة على عبد ، فعتق ، وأيسر قبل التكفير ، فإن قلنا : الاعتبار بحال الوجوب ، ففرضه الصوم ، ويجزئه الإعتاق على الأصح أو الأظهر ، لأنه أعلى . وقيل : لا ، لعدم أهليته بناء على أن العبد لا يملك ، وإن قلنا : الاعتبار بحال الأداء ، لزمه الإعتاق على الأصح أو الأظهر . 
فرع 
لو شرع المعسر في الصوم ثم أيسر  ، كان له المضي في الصوم ، ولا يلزمه الإعتاق . فإن أعتق ، كان أفضل ، ووقع ما مضى من صومه تطوعا ، وحكى الشيخ  أبو محمد  وجها ، أنه يلزمه الإعتاق ، وهو مذهب  المزني  ، والصحيح الذي عليه الجماهير ، الأول ، وكذا لو كان فرضه الإطعام فأطعم بعض المساكين ثم قدر على الصوم ، لا يلزمه العدول إليه . 
 [ ص: 300 ] ولو أيسر بعد ما فرغ من الصوم  ، لم يلزمه الرجوع إلى الإعتاق قطعا . ولو كان وقت الوجوب عاجزا عن الإعتاق والصوم ، فأيسر قبل التكفير ، فإن اعتبرنا حالة الوجوب ، ففرضه الإطعام ، وإلا فالإعتاق . 
فصل 
العبد لا يملك بغير تمليك سيده قطعا ، ولا بتمليكه على الجديد الأظهر ، فعلى هذا لا يتصور منه التكفير بالإعتاق والإطعام . وإن قلنا : يملك ، فملكه طعاما ليكفر كفارة اليمين ، جاز ، وعليه التكفير بما ملكه ، وإن ملكه عبدا ليعتقه عنها ، لم يصح ، لأنه يستعقب الولاء ، وليس العبد من أهل إثبات الولاء . وعن صاحب " التقريب " أنه يصح إعتاقه ، ويثبت له الولاء . وعن  القفال  تخريج قول : أنه يصح إعتاقه عن الكفارة ، والولاء موقوف ، إن عتق ، فهو له ، وإن دام رقه ، فلسيده ، والصحيح الأول ، وبه قطع الجمهور . 
وأما تكفيره بالصوم  ، فإن جرى ما يتعلق به الكفارة بغير إذن سيده ، بأن حلف وحنث بغير إذنه  ، لم يصم إلا بإذنه ، لأن حق السيد على الفور ، والكفارة على التراخي ، بخلاف صوم رمضان ، فإن شرع فيه بغير إذنه ، كان له تحليله ، وإن جرى بإذنه بأن حلف بإذنه وحنث بإذنه  ، صام ولا حاجة إلى إذنه . وإن حلف بإذنه وحنث بغير إذنه  ، لم يستقل بالصوم على الأصح . وفي عكسه يستقل على المذهب ، وحيث قلنا : يستقل ، فسواء طويل النهار وقصيره ، والحر الشديد وغيره ، وحيث قلنا : يحتاج إلى الإذن ، فذلك في صوم يوجب ضعفا لشدة حر وطول نهار . فإن لم يكن كذلك ، ففيه خلاف نذكره في " كتاب الأيمان " إن شاء الله تعالى ، والأصح ، أنه ليس للسيد المنع ، هذا حكم كفارة اليمين . قال في " الوسيط " : ومنعه من صوم كفارة الظهار غير ممكن ، لأنه يضر بالعبد بدوام التحريم . 
قلت : وحيث قلنا : لا يصوم بغير إذنه فخالف وصام ، أثم وأجزأه .   [ ص: 301 ] ولو أراد العبد صوم تطوع في وقت يضر بالسيد ، فله منعه ، وفي غيره ، ليس له المنع ، حكاه  المحاملي  عن   أبي إسحاق المروزي  ، بخلاف الزوجة ، فإن للزوج منعها من صوم التطوع ، لأنه يمنعه الوطء ، وحكى في البيان ، أنه ليس للسيد منعه من صلاة النفل في غير وقت الخدمة ، إذ لا ضرر . - والله أعلم . 
فرع 
من بعضه حر ، كالحر في التكفير بالمال على المذهب ، وفيه كلام آخر ، وتفصيل نذكره في كفارة اليمين إن شاء الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					