فصل 
ذكر  إسماعيل البوشنجي  أنه لو حلف بالطلاق لا تساكنه شهر رمضان  ، تعلق الحنث بمساكنة جميع الشهر ، ولا يحنث ببعضه ، وبهذا قال إمام العراقيين ، يعني  أبا بكر الشاشي  ، وعن   محمد بن يحيى     : يحنث بمساكنة ساعة منه ، كما لو حلف لا يكلمه شهر رمضان ، يحنث بتكليمه مرة . وأنه لو قال : امرأتي طالق إن أفطرت بالكوفة  ، وكان يوم الفطر بالكوفة  ، فلم يأكل ولم يشرب  ، فمقتضى المذهب أنه لا تطلق ، لأن الإفطار محمول على تناول مأكول أو مشروب ، وأنه لو حلف أنه لا يعيد بالكوفة  ، فأقام معها يوم العيد ، ولم يخرج إلى العيد ، حنث ويحتمل المنع . 
ولو قال : إن أكلت اليوم إلا رغيفا فأنت طالق ، فأكلت رغيفا ثم فاكهة  ، طلقت . ولو قال : إن أكلت أكثر من رغيف ، فأكلت خبزا بإدام ، طلقت أيضا . وأنه لو قال : إن أدركت الظهر مع الإمام فأنت طالق ، فأدركه فيما بعد الركعة الأولى ، لم تطلق على قياس مذهبنا ، لأن الظهر عبارة عن الركعات الأربع ، ولم يدركها . 
قلت : هذا فيه نظر ، فإنه يقال : أدرك الجماعة ، وأدرك صلاة الإمام ، ولكن   [ ص: 208 ] الظاهر أنه لا يقع ، لأن حقيقته إدراك الجميع ، ومنه الحديث ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا   . - والله أعلم . 
وأنه لو طلق نسوته طلاقا رجعيا ، ثم قال : كل واحدة أراجعها فهي طالق كلما كلمت فلانا ، فراجع امرأة  ، ثم كلم فلانا ، ثم راجع أخرى ، طلقت الأولى دون الثانية ، لأن شرط الحنث المراجعة قبل الكلام ، فإن كلمه مرة أخرى ، طلقت الثانية أيضا . وأنه لو قال : آخر امرأة أراجعها فهي طالق ، فراجع نسوة ، ومات ، يقع الطلاق على آخرهن مراجعة باليقين . 
حتى لو انقضت عدتها من ذلك الوقت ، لم ترثه . وإن كان وطئها ، فعليه مهر مثلها . وأنه إذا علق الطلاق على النكاح ، فهو محمول على العقد دون الوطء ، إلا إذا نوى . وأنه لو تخاصم الزوجان في المراودة ، فقال : إن لم تجيئي إلى الفراش الساعة فأنت طالق ، ثم طالت الخصومة حتى مضت الساعة ، ثم جاءت إلى الفراش  ، فالقياس أنها طلقت . وأنه لو قال : إن كلمت بني آدم  فأنت طالق  ، فالقياس أنها لا تطلق بكلام واحد ولا اثنين ، إلا إذا أعطيناهما حكم الجمع . 
وأنه لو قال : إن دخلت الدار فعبدي حر ، أو كلمت فلانا فامرأتي طالق  ، سألناه لنتبين أي اليمينين أراد منهما ، فما أراد تقرر . وأنه لو قال : أنت طالق في الدار  ، فمطلق هذا يقتضي وقوع الطلاق إذا دخلت هي الدار . وأنه لو قال : إن ملكتما عبدا فأنت طالق ، فشرط الحنث على ما يقتضيه القياس ، أن يملكاه معا ، حتى لو ملك أحدهما عبدا ثم باعه لصاحبه ، لا يحنث . 
 [ ص: 209 ] ولو قال : إن لبست قميصين فأنت طالق ، فلبستهما متواليين ، طلقت على قياس المذهب . وأنه لو قال : إن اغتسلت في هذه الليلة فأنت طالق ، فاغتسل فيها من غير جنابة  ، وقال : قصدت بيميني غسل الجنابة ، فالقياس أنه يدين ولا يقبل ظاهرا ، وأنه لو حلف في جنح الليل أنه لا يكلم فلانا يوما ، ولا نية له ، فعليه أن يمتنع من كلامه في اليوم الذي يليه ، ولا بأس بأن يكلمه في بقية الليل ، وأنه لو قال : أنت طالق إن دخلت الدار ثنتين أو ثلاثا أو عشرا  ، فهو مجمل ، فإن قال : أردت أنها تطلق واحدة إن دخلت الدار مرتين ، أو ثلاثا ، صدق ، فإن اتهم ، حلف ، وإن أراد وقوع الطلاق بالعدد المذكور ، وقع الثلاث ، ولغت الزيادة ، وأنه لو قال : إن خرجت من الدار فأنت طالق ، وللدار بستان بابه مفتوح إليها  ، فخرجت إلى البستان ، فالذي يقتضيه المذهب أنه إن كان بحيث يعد من جملة الدار ومرافقها لا تطلق ، وإلا فتطلق . 
وأنه لو قال لأبويه : إن تزوجت ما دمتما حيين ، فامرأتي هذه طالق ، فمات أحدهما ، فتزوج  ، ينبغي أن لا يقع طلاقه . وأنه لو حلف لا يطعنه بنصل هذا الرمح أو السهم ، فنزع النصل ، وجعله في رمح آخر وطعنه به ، حنث . وأنه لو قال : إن شتمتني ولعنتني فأنت طالق ، فلعنته  ، لم تطلق ، لأنه علق على الأمرين . وأنها لو خرجت إلى قرية للضيافة ، فقال : إن مكثت هناك أكثر من ثلاثة أيام فأنت طالق ، فخرجت  من تلك القرية بعد الثلاثة أو قبل ، ثم رجعت إليها ، فينبغي أن لا تطلق . 
وأنه لو قال نصف الليل ، إن بت مع فلان ، فأنت طالق ، فبات معه بقية الليل  ، طلقت على مقتضى القياس ، ولا يشترط أن يبيت جميع الليل ولا أكثره . 
قلت : المختار ، أن المبيت يحمل مطلقه على أكثر الليل إذا لم يكن قرينة كما سبق في المبيت بمنى ، لكن الظاهر الحنث هنا لوجود القرينة . - والله أعلم . 
 [ ص: 210 ] ولو حلف أنه ما يعرف فلانا ، وقد عرفه بوجهه ، وطالت صحبته له ، إلا أنه لا يعرف اسمه  ، حنث على قياس المذهب ، وبه قال  سعد الاسترابادي     . وأنه لو قال : آخر امرأة أراجعها فهي طالق ، فراجع حفصة ثم عمرة ، ثم طلق حفصة ثم راجعها  ، فالذي أراه أن حفصة تطلق لأنها صارت آخرا بعدما كانت أولا . وأنه لو قال : إن نمت على ثوب لك فأنت طالق ، فوضع رأسه على مرفقة لها  ، لا تطلق ، كما لو وضع عليها يديه أو رجليه . 
وأنه لو حلف لا يأكل من مال فلان ، فنثر مأكولا فالتقطه وأكله  ، حنث ، وكذا لو تناهدا فأكل من طعامه . 
قلت : الصورتان مشكلتان ، والمختار في مسألة النثار ، بناؤه على الخلاف ، في أنه يملكه الآخذ أم لا ؟ فإن قلنا بالأصح : إنه يملكه ، لم يحنث ، وإلا فيخرج على الخلاف السابق في الضيف ونحوه ، أنه هل يملك الطعام المقدم إليه ومتى يملكه ؟ وأما مسألة المناهدة وهي خلط المسافرين نفقتهم واشتراكهم في الأكل من المختلط ، ففيها نظر ، لأنها في معنى المعاوضة ، وإلا فيخرج على مسألة الضيف . - والله أعلم . 
وأنه لو قال : إن دخلت دار فلان ما دام فيها فأنت طالق ، فتحول فلان منها ثم عاد إليها ، فدخلتها  ، لا تطلق ، وأنه لو قال : إن قتلته يوم الجمعة فأنت طالق ، فضربه يوم الخميس ومات يوم الجمعة  بسبب ذلك الضرب ، لم تطلق ، لأن القتل هو الفعل المفوت للروح ، ولم يوجد ذلك يوم الجمعة . وأنه لو قال : إن أغضبتك فأنت طالق ، فضرب ابنها ، طلقت وإن كان ضرب تأديب . وأنه لو حلف ليصومن [ زمانا ، أنه يحنث بصوم بعض يوم إن قلنا : إن من حلف ليصومن ، أنه يحنث بالشروع فيه ، وأنه لو حلف ليصومن ] أزمنة ، بر بصوم يوم لاشتماله على أزمنة . ولو حلف ليصومن الأيام ، فيحمل على أيام العمر ، أو على ثلاثة أيام ، وهو الأولى . وأنه لو قال : إن كان الله سبحانه وتعالى يعذب الموجودين ، فأنت طالق ، طلقت . 
 [ ص: 211 ] قلت : هذا إذا قصد إن كان يعذب أحدا منهم ، فإن قصد إن كان يعذبهم كلهم ، أو لم يقصد شيئا ، لم تطلق لأن التعذيب مختص ببعضهم . - والله أعلم . 
وأنه لو اتهمته امرأته بالغلمان ، فحلف بالطلاق لا يأتي حراما ، ثم قبل غلاما ، أو لمسه  ، يحنث لعموم اللفظ . وأنه لو قال : أنت طالق إن خرجت من الدار ، ثم قال : لا تخرجين من الصفة أيضا ، فخرجت من الصفة  ، لم تطلق ، لأن قوله : " ولا تخرجين " كلام مبتدأ ليس فيه صيغة تعليق ولا عطف . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					