مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فأما الاستماع للحداء ونشيد الأعراب ، فلا بأس به ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للشريد : " أمعك من شعر أمية شيء ؟ " قال : نعم ، قال : " هيه " فأنشده بيتا فقال " هيه " حتى بلغت مائة بيت وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحداء والرجز وقال لابن رواحة " حرك بالقوم " ، فاندفع يرجز قال المزني رحمه الله : سمعت الشافعي يقول : كان سعيد بن جبير يلعب بالشطرنج استدبارا ، فقلت له : كيف يلعب بها استدبارا ، قال : يوليها ظهره ثم يقول : " بأي شيء وقع " ، فيقول : بكذا فيقول : أوقع عليه بكذا " .
قال الماوردي : وهذا صحيح . لا بأس بالحداء ونشيد الأعراب ، والشعر ، والرجز ، وهو مباح لا كراهة فيه .
وروى ابن مسعود قال : كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة نام بالوادي حاديان .
وروى أنس بن مالك ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنا في سفر مع [ ص: 195 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء ، فكان مع الرجال ، وكان أنجشة مع النساء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة : " حرك بالقوم " ، فاندفع يرتجز ، وتبعه أنجشة ، فأعنقت الإبل في السير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " رويدك يا أنجشة رفقا بالقوارير " يعني النساء .
وروى الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن عمرو بن الشريد ، عن أبيه ، قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " أمعك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء ؟ قلت : نعم . قال : فأنشدته بيتا فقال : هيه . فأنشدته بيتا آخر . فقال : هيه . فأنشدته إلى أن بلغ مائة بيت .
وهيه : موضوعة في الكلام للحث والاستزادة ، وإنما استحسن شعر أمية لأن أكثره عبر وأمثال ، وأذكار بالبعث والنشور ، ووعد ووعيد بالجنة والنار .
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال فيه : " إن كاد ليسلم " .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لقي في سفر ركبا من بني تميم معهم حاد ، فأمرهم أن يحدوا ، فقالوا : إن حادينا حدا ونام من آخر الليل ، ثم قالوا : يا رسول الله ، إنا أول العرب حداء بالإبل ، قال : وكيف ذلك ؟ قال : إن العرب كانت تغير بعضها على بعض ، فأغار رجل منا على إبل فاستاقها فتبددت ، فضرب غلامه على يده ، فكان الغلام كلما ضربه صاح وايداه ! وايداه ! والإبل تجتمع لحسن صوته ، وهو يقول : هكذا أفعل . والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك ، فقال : وممن أنتم ؟ قالوا : من مضر ، فقال : " ونحن من مضر وكيف كنتم أول العرب حداء ؟ " .
فدل هذا الخبر على إنشاد الرجز وإباحة الحداء ، وجواز الضحك عند التعجب ولأن الحداء غير مقصود به اللهو كالغناء ، وإنما يقصد به حث المطي وإعناق السير ، فلم تتوجه إليه كراهية .
ولأن الحداء الحسن الرجز ، فيباح بالصوت الشجي ، فيخفف كلال السفر ، ويحدث نشاط النفس ، فلم يكن له في الكراهة وجه ، وسواء فيه الحادي والمستمع ، وهكذا التغني بالركانية مباح ، لأنه ضرب من الحداء ، يعدل فيه عن ألحان الغناء .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ، استقبله الأنصار وخرج إليه الفتيان بالدفوف وهم ينشدون :
[ ص: 196 ]
طلــع البــــدر عليـــنا  مـــن ثنيـات الــوداع      وجـــب الشكـــر علينـــا  
مـــا دعـــا للــــه داع  
نحـــن جـــوار  لبني النجــار       يا حبذا  محمـد   من جـار  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					