فصل : فإذا تقرر ما ذكرناه في أيمان النفي والإثبات ، فصورة مسألتنا في  رجل ادعى على رجل ألفا ، فذكر المدعى عليه أنه قد برئ منها ، فصار مقرا بها   ، ومدعيا لسقوطها عنه بعد وجوبها عليه ، وصار المدعي مدعى عليه قد استحق الألف بالإقرار ، ووجبت عليه يمين النفي في الإنكار . وهي معتبرة بدعوى البراءة ، ودعواها على ضربين :  
أحدهما : أن يطلقها .  
والثاني : أن يعينها .  
فإن أطلقها وقال : قد برئت إليه منها ، فقد عم ، ولم يخص ، فيكون يمين المنكر لها على العموم على ما وصفها  الشافعي   في اشتمال يمينه على جميع أنواع البراءات ، فيقول : والله ما قبضتها ، ولا شيئا منها ، ولا قبضها له قابض بأمره ، ولا شيئا منها ، وعبر  الشافعي   عن القبض بالاقتضاء ، وعن الأمر بالعلم ، وذكر القبض أولى من الاقتضاء لأن الاقتضاء المطالبة والقبض الاستيفاء ، وهو لا يبرأ بالاقتضاء ، ويبرأ بالاستيفاء .  
 [ ص: 126 ] وذكر الأمر أولى من العلم ، لأنه قد يعلم أنه قبضها من لم يأمره ، فلا يبرأ به .  
ثم يقول : ولا أحال بها عليه ولا بشيء منها ، ولا أبرأه منها ، ولا على شيء منها . وزاد  الشافعي   في " الأم " : " ولا كان منه ما يبرأ به منها ، ولا من شيء منها " يعني : من جناية عليه أو إتلاف لماله بقدر دينه ، ويقول : وإنها لثابتة عليه إلى وقت يمينه هذه .  
فهذه ستة أشياء ذكرها  الشافعي   في اشتمال يمينه عليها ، اختص  الشافعي   بذكرها وإن لم يذكرها أكثر الفقهاء ، فلم يختلف أصحابه أن السادس منها ، وهو قوله : " وإنها لثابتة عليه إلى وقت يمينه " أنه استظهار ، وليس بواجب .  
واختلفوا في الخمسة الباقية على وجهين :  
أحدهما : وهو قول الأكثرين أنها واجبة لتشتمل على أنواع البراءات ، فينتهي بها احتمال التأويل .  
والوجه الثاني : أن هذا التفصيل استظهار ، ولو اقتصر في يمينه على أن قال : ما برئ إلي منها ، ولا من شيء منها ، لعم في الحكم جميع أنواعها من قبض وحوالة وإبراء ، وما يوجب الإبراء .  
				
						
						
