مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله - تعالى : "  ولا يؤكل ما قتله الرمي إلا ما خرق بدقته أو قطع بحده   فأما ما جرح بثقله فهو وقيذة " .  
قال  الماوردي      : أما  الذكاة في اللغة   ، ففيها ثلاثة أوجه :  
أحدها : أنها التطيب من قولهم : مسك ذكي إذا كان طيب الرائحة ، لكنها في الشرع تطييب الذبيحة بالإباحة .  
والوجه الثاني : أنها القطع لكنها  في الشرع   قطع على صفة مبيحة ، فصارت في الشرع قطعا خاصا ، وفي اللغة قطعا عاما .  
والوجه الثالث : وإليه أشار  الشافعي   ، أن الذكاة القتل : لأنها لا تستعمل إلا في النفوس ، لكنها في الشرع قتل في محل مخصوص ، فصارت أخص منها في اللغة .  
قال  الشافعي      : وجميع ما قال الله تعالى :  إلا ما ذكيتم      [ المائدة : 3 ] : إلا ما قتلتم ، ولكن كان مجوزا أن يكون ببعض القتل دون بعض ، فلما قال :  إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة      [ البقرة : 67 ] دل على أن الذكاة المأمور بها الذبح دون غيره ، وكان النحر في معنى الذبح .  
فإذا تقرر هذا ،  فالذكاة على ضربين   في مقدور عليه ، وممتنع .  
فإن كانت في مقدور عليه لم تكن إلا ذبحا في الحلق أو نحرا في اللبة بما يقطع بحده دون ما يخرق بدقه ، وسواء كان بحديد أو بغيره من المحدد إذا مار في اللحم مور الحديد من ليط القصب ، وما حدد من الزجاج ، والحجر ، والخشب : لأن المقصود منها ما قطع بحد : لقول النبي صلى الله عليه وسلم :  ما أنهر الدم وفرى الأوداج فكل     .  
 [ ص: 50 ] وروي أن  عدي بن حاتم   سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  إنا نجد الصيد ولا نجد ما نذكي به إلا الظرار وشقة العصا ، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : أمر الدم بما شئت     .  
قال أبو عبيد : الظرار حجارة محددة .  
وقوله : أمر الدم بما شئت أي سله بما شئت .  
فأما ما قطع من ذلك بشدة اعتماد المذكي ، وقوة ثقله ، فلا يؤكل ومثله الحديد لو كان كالا لا يقطع بحده ، ويقطع بشدة الاعتماد ، وقوة الذابح لم يؤكل لأنه يصير المنهر للدم هو الذابح دون الآلة .  
وأما الممتنع فكل موضع من جسده محل لذكاته مما قطع بحده كالسيف ، والسكين أو خرق ، وثقب بدقته كالسهم والحربة ، فمار في اللحم ، ودخل ، سواء كان حديدا أو ما قام مقامه من القصب ، والخشب ، والمحدد ، والحجارة المحددة .  
فأما ما قطع بثقله أو بقوة الرامي كالخشب الأصم ، والحجر الصلد ، فإنه وقيذ لا يؤكل لقول الله تعالى :  والموقوذة والمتردية      [ المائدة : 13 ] والموقوذة : هي المقتولة ضربا ، والمتردية : هي الواقعة من شاهق .  
وروى  عامر الشعبي   عن  عدي بن حاتم   ، قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن  صيد المعراض   ، فقال :  ما أصاب بحده فكل ، وما أصاب بعرضه ، فهو وقيذ     .  
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  أنه نهى عن الجلاهق  وهو قوس البندق : لأنه يقتل الصيد بقوة راميه ، وليس يقتله بحده كالسهام ، فأباح السهم ، ونهى عن البندق .  
فإن قيل : فقد روى  الأعمش   عن  إبراهيم   ، عن  عدي بن حاتم   أنه قال :  سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البندق ، فقال : إن خرقت فكل ، وإن لم تخرق فلا تأكل     .  
قيل : هذا الحديث ليس بثابت ، ولا أصل له ، فإن  سفيان   قال : سألت  الأعمش   عن حديث البندق يعني هذا الحديث المروي عنه أنه ليس من حديثك ، فقال كيف أصنع بهؤلاء أصحاب الحديث يقرءون من أصل ما ليس فيه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					