[ ص: 152 ] باب جامع السير  
قال  الشافعي      : " الحكم في المشركين حكمان : فمن كان منهم  أهل أوثان ، أو من عبد ما استحسن من غير  أهل الكتاب    ، لم تؤخذ منهم الجزية ، وقوتلوا حتى يقتلوا أو يسلموا : لقول الله تبارك وتعالى  فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم   وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله     .  
قال  الماوردي      : وهذه المسألة من كتاب الجزية وإنما قدمها  المزني   في الجهاد لتعلقها بأحكامه ، والمشرالكون ثلاثة أصناف :  
أحدها : أهل كتاب .  
والثاني : من لهم شبهة كتاب .  
والثالث : من ليس بأهل كتاب ، ولا لهم شبهة كتاب .  
فإن قيل : فلم جعلهم  الشافعي   صنفين وهم أكثر ؟ فعنه جوابان :  
أحدهما : أنهم في حكم الجزية صنفان ، وإن كانوا في غيرها من الأحكام أكثر .  
والثاني : لأن الذين جاهدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا على عهده صنفين .  
فإن قيل : فلم أدخل  أهل الكتاب   في المشركين ، وأطلق عليهم اسم الشرك وقد منع غيره من الفقهاء إطلاق اسم الشرك عليهم : لأنه ينطلق على من جعل لله شريكا معبودا ؟ فعنه جوابان :  
أحدهما : لأن فيهم من جعل لله ولدا وفيهم من جعله ثالث ثلاثة .  
والثاني : لأنهم لما أنكروا معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأضافوها إلى غيره جعلوا له شريكا فيها ، فلم يمتنع لهذين أن ينطلق عليهم اسم الشرك .  
فأما  أهل الكتاب    فصنفان :  
أحدهما :  اليهود   ومن تبعهم من  السامرة   وكتابهم التوراة .  
والثاني :  النصارى   ومن تبعهم من  الصابئين   وكتابهم الإنجيل ، فهو لا يجوز أخذ      [ ص: 153 ] الجزية منهم إن بذلوها مع أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم ، وأما  من ليس بأهل كتاب ولهم شبهة كتاب   فهم المجوس : لأن وقوع الشك في كتابهم أجرى عليهم حكمه في حقن دمائهم ، فيجوز أن تؤخذ منهم الجزية ، ولا يجوز أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم على الصحيح في المذهب وسيأتي شرحه .  
وأما من ليس بأهل كتاب ولا لهم شبهة كتاب فهم أهل الأوثان ومن عبد ما استحسن من الشمس والنار ، فلا يجوز أن تقبل جزيتهم ، ولا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم ، سواء كانوا عربا أو عجما ، ويقاتلوا حتى يسلموا أو يقتلوا .  
وقال  مالك      : تقبل جزيتهم إلا أن يكونوا من  قريش   ، فلا يقبل منهم إلا الإسلام .  
وقال  أبو حنيفة      : تقبل جزيتهم إلا إن كانوا عجما ، ولا تقبل جزيتهم إن كانوا عربا حتى يسلموا ، احتجاجا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  ألا أدلكم على كلمة تدين لكم بها العرب ، وتؤدي الجزية إليكم بها العجم ؟ شهادة أن لا إله إلا الله  فعم بالجزية جميع العجم ما عم بالدين جميع العرب ، فدل على افتراقهما في حكم الجزية .  
وروى  سليمان بن بريدة   ، عن أبيه قال :  كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميرا على سرية أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيرا وقال : إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خصال ثلاث ، فإلى أيتهن أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم : ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم  ، وهذا نص في  أخذ الجزية من المشركين من غير  أهل الكتاب       : ولأن من جاز استرقاق نسائهم جاز أخذ الجزية من رجالهم  كأهل الكتاب   ، ولأن الجزية ذل وصغار ، فإذا جرت على  أهل الكتاب   وهم أفضل ، كان إجراؤها على من دونهم من عبدة الأوثان أولى .  
ودليلنا قوله تعالى :  فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم      [ التوبة : 15 ] . فكان الأمر بقتلهم حتى يسلموا عاما ، وخص منهم  أهل الكتاب   بقبول الجزية ، فقال :  قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر   إلى قوله تعالى :  من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد      [ التوبة : 29 ] . فكان الدليل في هذا من وجهين :  
أحدهما : أن استثناء  أهل الكتاب   منهم يقتضي خروج غيرهم من استثنائهم ، ودخولهم في عموم الأمر .  
 [ ص: 154 ] والثاني : أنه جعل قبول الجزية مشروطا بالكتاب ، فاقتضى انتفاؤها عن غير  أهل الكتاب      .  
وروى  أبو صالح   ، عن  أبي هريرة   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم     . فكان على عمومه ، إلا ما خصه دليل ، ولأن  عمر      - رضي الله عنه - امتنع من  أخذ الجزية من  المجوس    لشكه فيهم أنهم من  أهل الكتاب   ، حتى أخبره  عبد الرحمن بن عوف   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها من  مجوس  هجر    وقال : سنوا بهم سنة  أهل الكتاب      .  
وقال رجل  لعلي بن أبي طالب      - عليه السلام - : " عجبت من أخذ الجزية من  المجوس   ، وليس لهم كتاب ؟ فقال  علي      : كيف تعجب وقد كان لهم كتاب فبدلوا ، فأسرى به  ، فدل ذلك على إجماع الصحابة على أنها لا تؤخذ من غير  أهل الكتاب   ، ولأن كل مشرك لم تثبت له حرمة الكتاب لم يجز قبول جزيته كالعرب ، ولأن كل ما منع الشرك منه في العرب منع منه العجم كالمناكح والذبائح .  
فأما الجواب عن الحديث الأول فمن وجهين :  
أحدهما : أنه ضعيف ، نقله أهل المغازي ولم ينقله أصحاب الحديث .  
والثاني : حمله على  أهل الكتاب   بدليلنا .  
وأما الجواب عن الحديث الثاني فمن وجهين :  
أحدهما : أن أكثر السرايا كانت إلى  أهل الكتاب      .  
والثاني : حمله بأدلتنا على  أهل الكتاب      .  
وأما الجواب عن قياسهم على  أهل الكتاب   ، فالمعني فيهم ما ثبت لهم من حرمة كتابهم ، وأنهم كانوا على حق في اتباعه ، وهذا معدوم في غيرهم من عبدة الأوثان ، وقولهم : إنها صغار فكانت بعبدة الأوثان أحق .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					