مسألة : قال  الشافعي      : " ولو  تطلع إليه رجل من ثقب فطعنه بعود أو رماه بحصاة أو ما أشبهها فذهبت عينه   ، فهي هدر . واحتج  بأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل ينظر إلى بيته من حجر وبيده مدرى يحك به رأسه ، فقال عليه الصلاة والسلام : لو أعلم أنك تنظر لي ، أو تنظرني لطعنت به في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر     .  
قال  الماوردي      : اعلم أن المنازل ساترة لعورات أهلها ، يحرم انتهاكها بالنظر إلى من فيها ، فإذا تطلع رجل على منزل رجل لم يخل حال ما تطلع منه من أحد أمرين :  
إما أن يكون ساترا لأبصار المارة ، أو غير ساتر لها . فإن كان ساترا لأبصار المارة كالمتطلع من ثقب في باب أو كوة صغيرة في حائط أو شباك ضيق الأعين ، فلصاحب الدار أن يرمي عين المتطلع بما يجوز أن يفضي إلى فقء عينه ، ولا يفضي إلى تلف نفسه كالحصاة والعود اللطيف والمدرى وإن كان من حديد ، ولا يجوز أن يرميه بسهم ولا أن يطعنه برمح : لأن ذلك يصل إلى الدماغ فتتلف به النفس ، والمقصود كف العين من النظر ، وليس المقصود تلف النفس ، فإن فعل ذلك ضمن نفسه ولا يضمن بإفقاء عينه ، واختلف أصحابنا هل استباح فقء عينه بابتداء التطلع أو بعد زجره بالكلام إذا لم يمتنع ؟ على وجهين :  
أحدهما : وهو قول  أبي حامد المروزي   ،  وأبي حامد الإسفراييني   ، وجمهور البصريين أن يستبيحه بعد زجره بالكلام ، فإن امتنع به لم يكن له أن يتعداه ، وإن ابتدأ بفقء عينه ضمن . فعلى هذا : يكون موافقا للأصول في صول الفحل وطلب النفس والمال في ترتيب الدفع حالا بعد حال .  
والوجه الثاني : وهو قول  أبي علي بن أبي هريرة   وأكثر البغداديين أنه يستبيح فقء عينه بابتداء التطلع ، ولا يلزمه تقديم زجره بالكلام . فعلى هذا : يكون مخالفا للأصول في صول الفحل وطلب المال والنفس ، وموافقا لنزع اليد المعضوضة إذا سقط بها أسنان العاض ابتداء . واختلف في مذهب  أبي حنيفة   من الوجهين ، فحكى عنه  أبو بكر الرازي   الوجه الأول : أنه لا يجوز أن يبدأ بفقء إلا بعد زجره بالكلام ، وهو ضامن إن ابتدأ به . وهو قول  مالك   احتجاجا بأن دخول الدار أغلظ من التطلع عليه في داره ، فلو دخلها لم يستبح أن يبتدئ بفقء عينه ، فكان بأن لا يستبيحه بالتطلع أولى وحكى عنه  الطحاوي      .  
والوجه الثاني : أنه يستبيح بالتطلع أن يبتدئه بفقء العين ولا يلزمه ضمانها ، وهو الذي ينصره البغداديون من أصحابنا ويجعلونه خلافا مع  أبى حنيفة      : احتجاجا بالخبر المتقدم      [ ص: 461 ] في المتطلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله للرجل :  لو أعلم أنك تنظرني لطعنت بها في عينك ، إنما جعل الاستئذان لأجل البصر  فاحتمل ذلك من قوله أن يكون لتغليظ حرمته صلى الله عليه وسلم على حرمة سائر أمته ، واحتمل أن يكون ذلك لشرع يعم جميع الأمة ، وهو أشبه بتعليله كقوله : " إنما جعل الاستئذان لأجل البصر " ، وقد روي بما هو عام الحكم لا يدخله احتمال ، وهو ما رواه  الشافعي   ، عن  مالك   ، عن  أبي الزناد   ، عن  الأعرج   ، عن  أبي هريرة   ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :  لو أن امرءا اطلع عليك بغير إذنك فحذفته بحصاة ففقأت عينه ، فليس عليك جناح  وهذا نص ، فإن قيل : فهذا خبر واحد مخالف الأصول ، فلم يعمل عليه .  
قيل : الأصول مأخوذة من النصوص ، فلم يجز أن يدفع بها النص ، على أنه قد يلحق بأصل في هدر أسنان العاض بابتداء نزع اليد من فيه ، وقد روي في خبر آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  من اطلع من صيرة باب ففقئت عينه فهي هدر     .  
قال  أبو عبيد      : الصير : الشق .  
فأما توجيه الأول بأن داخل الدار لا يبتدأ بفقء عينه ، فقد حكى ابن أبي هريرة في جواز الابتداء بفقئها وجهين :  
أحدهما : يجوز : لأنه أغلظ حالا من المتطلع .  
والثاني : لا يجوز : لأنه إذا دخل بجميع بدنه سقط الحكم في تفضيل الأعضاء ، كالجنايات يلزم فيها دية لأعضاء إذا فصلت ، ولا يلزم في القتل دياتها وإن بطلت .  
				
						
						
