مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : " فأمر الله تعالى جده أن يصلح بينهم بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال ، وإنما ذكر الصلح آخرا كما ذكر الإصلاح بينهم أولا قبل الإذن بقتالهم : فأشبه هذا أن تكون التبعات في الدماء والجراح وما تلف من الأموال ساقطة بينهم ، وكما قال  ابن شهاب   عندنا : قد كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول ، وأتلفت فيها أموال ، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم ، فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالا أتلفه . ( قال  الشافعي      ) رحمه الله : وما علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه أن صاحبه أحق به " .  
قال  الماوردي      : أما  المستهلك بين أهل العدل وأهل البغي في غير ثائرة الحرب والتحام القتال من دماء وأموال   ، فهي مضمونة على مستهلكها ، سواء كان استهلاكها قبل القتال أو بعد ، فيضمن أهل البغي ما استهلكوه لأهل العدل من دماء وأموال ، ويضمن أهل العدل ما استهلكوه على أهل البغي من دماء وأموال ، وهذا متفق عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم :  إن الله حرم من المسلم ماله ودمه ، وأن لا يظن به إلا خيرا     .  
وأما  المستهلك في ثائرة الحرب والتحام القتال   ، فلا ضمان على أهل العدل فيما استهلكوه من دماء أهل البغي وأموالهم : لأمرين :      [ ص: 106 ] أحدهما : أن ما وجب على أهل العدل من قتالهم يمنع من ضمان ما تلف بالقتال من دمائهم وأموالهم : لتنافي اجتماع وجوب القتال ووجوب الضمان .  
والثاني : أن مقصود القتال دفعهم عن بغيهم ، فصاروا في هدرها كالطالب إذا قتله المطلوب دفعا عن نفسه .  
وهل يضمن أهل البغي لأهل العدل ما استهلكوه من دمائهم وأموالهم أم لا ؟   على قولين :  
أحدهما : قاله في القديم ، ويشبه أن يكون مذهب  مالك      : أنهم يضمنونه لهم : لأمرين :  
أحدهما : أنهم لما ضمنوه إذا لم يمتنعوا ضمنوه وإن امتنعوا كأهل الحرابة .  
والثاني : أنه لما كان القتال محظورا عليهم ، كان ما حدث عنه مضمونا كالجنايات ، كما أن القتال لما وجب على أهل العدل كان ما حدث عنه غير مضمون كالحدود ، لفرق ما بين الواجب والمحظور .  
والقول الثاني : قاله في الجديد ، وهو قول  أبي حنيفة      : أنه لا ضمان عليهم ، وهو الصحيح : لقول الله تعالى :  فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا      [ الحجرات : 9 ] . فأمر بالإصلاح بينهم ، ولم يذكر تبعة في دم ولا مال ، فدل على سقوطه عنهم .  
ولما  روي أن  أبا بكر   رضوان الله عليه قال لمن تاب من أهل الردة : تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم ، فقال له  عمر      : لا نأخذ لقتلانا دية : لأنهم عملوا لله وأجورهم على الله ، فسكت  أبو بكر   سكوت راجع إلى قوله     .  
ولما  روي أن  طليحة   قتل  ثابت بن أقرم   وعكاشة بن محصن   ، وهرب إلى  الشام   ثم أسلم ، وقدم على  أبي بكر   ، فقبل توبته ولم يقتص منه     .  
وهكذا فعل  علي   رضي الله عنه يوم الجمل ؛ لم يأخذ أحدا بما استهلكه من دم ولا مال ، مع معرفة القاتل والمقتول والتالف والمتلوف .  
وهكذا حكى  ابن المسيب   والزهري   ، فدل على الإجماع في سقوط الضمان .  
ولأنهما طائفتان ممتنعتان اقتتلتا تدينا ، فلم يضمن بعضهم بعضا كالمسلمين .      [ ص: 107 ]    [ ولأن تضمين أهل البغي ما أتلفوه منفر لهم ومانع من رجوعهم ، فوجب أن يكون مطرحا كما أطرح في أهل الحرب ] .  
				
						
						
