مسألة : قال  الشافعي      :  ولو أجافه أو خرق أمعاءه ما لم يقطع حشوته فيبينها منه ثم ضرب آخر عنقه   فالأول جارح والآخر قاتل ، قد  جرح معي  عمر بن الخطاب   رضي الله عنه في موضعين وعاش ثلاثا  ، فلو قتله أحد في تلك الحال كان قاتلا وبرئ الذي جرحه من القتل .  
قال  الماوردي      : وهذا صحيح إذا كانت جراحة الأول لم تأت على النفس ولا نقضت بنية الجسد ، وكانت الحياة معها مستقرة ، ثم ضرب عنقه آخر وذبحه أو قطع حشوته فالثاني هو القاتل يجب عليه القود أو الدية كاملة ، والأول جارح يؤخذ بحكم جراحه : فإن كانت مما فيه القود كقطع يد ورجل أو شجة موضحة اقتص منه أو أخذت منه الدية ، وإن كانت مما لا قود فيه أخذ منه ديتها ، ولا تدخل في دية النفس لاختلاف الجانبين ، وسواء كانت جراحة الأول مما يجوز أن يعيش منها ، أو لا يعيش : لأنه باقي الحياة .  
وإن قطع بموته منها فجرى مجرى المريض المدنف المقطوع بموته إذا قتل وجب القود على قاتله : لأنه المباشر لنقص بنيته وإفاتة حياته ،  وقد جرح  عمر بن الخطاب   رضوان الله عليه في موضعين من أمعائه فسقاه الطبيب لبنا فخرج من جرحه أبيض ، فقال له الطبيب : أنت ميت فاعهد بما شئت ، فعهد بالشورى ، ووصى بوصايا ، وعاش ثلاثا ثم مات رحمة الله  عليه فأمضى المسلمون عهوده ، ونفذوا وصاياه .  
قال  الشافعي      : فلو قتله أحد من تلك الحال كان قاتلا وبرئ الذي جرحه من القتل .  
وهكذا  لو افترس السبع رجلا فجرحه جرحا يعيش منه أو لا يعيش لكنه باقي الحشوة والحلقوم فضرب عنقه رجل ، أو ذبحه أو قطع حشوته   وجب عليه القود : لأنه هو الناقض لبنيته ، والمفوت لحياته ، ولو تقدمت جناية الرجل عليه فجرحه جرحا يعيش منه ثم أكله السبع ، فلا قود على الجارح : لأن نقض البنية وفوات الحياة كان من غيره ، ويؤخذ الجارح بالقصاص من جرحه إن كان في مثله قصاص ، أو دية جرحه ، إن لم يكن فيه قصاص .  
 [ ص: 46 ] ومثال ذلك : في فريسة السبع أن يجرح بهيمة لا تعيش من جراحته لكنها باقية الحلقوم والحشوة فتذكى ، حل أكلها لورودها على حياة مستقرة وإن لم تدم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					