مسألة : قال  الشافعي      - رضي الله عنه - : " ولو  قال لها : يا زانية بنت الزانية - وأمها      [ ص: 39 ] حرة مسلمة - فطلبت حد أمها   لم يكن ذلك لها ، وحد لأنها إذا طلبته أو وكيلها والتعن لامرأته ، فإن لم يفعل حبس حتى يبرأ جلده فإذا برأ حد إلا أن يلتعن " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال : لأنه يصير بقوله : يا زانية بنت الزانية قاذفا لها ولأمها بلفظين فقوله : يا زانية ، هو قذف لزوجته وليس فيه قذف لأمها .  
وقوله : بنت الزانية ، هو قذف لأمها وليس فيه قذف لها ، فوجب عليه لها حدان لا تعلق لواحد منهما بالآخر وجعله أهل العراق قذفا واحدا وأوجبوا فيه حدا واحدا ، وأجري مجرى قوله لهما : يا زانيتان ، فجمعوا بين قذفهما بلفظة واحدة ، وبين قذفهما بلفظتين في الاقتصار على حد واحد ، وعلى مذهب  الشافعي      : أنه متى قذفهما بلفظين وجب عليه حدان ، وإن قذفهما بلفظة واحدة ، ففيه قولان :  
أحدهما : - وهو قوله في القديم - : يجب عليه حد واحد كقول  أهل  العراق    ، لأن لفظة القذف واحدة .  
والقول الثاني : - قوله في الجديد - : يجب عليه حدان ، لأن المقذوف اثنتان وفيما ذكرناه من تعليل هذا الشرح إبطال لقول  أهل  العراق    ، وإذا تقرر عليه بهذين القذفين حدان : أحدهما لزوجته ، والآخر لأمها ، فحد الأم يسقط عنه بأحد أمرين ، إما بإقرارها بالزنا ، وإما بأن يقيم البينة عليها بالزنا ، وحد الزوجة يسقط عنه بأحد ثلاثة أمور : إما بإقرارها ، وإما بالبينة ، وإما باللعان ، فإن سقط الحدان عنه بإقرار أو ببينة برئ من حقهما ، وإن سقط أحدهما ثبت حق الآخر ، وإن لم يسقط واحد منهما بإقرار ولا ببينة واجتمع الحدان عليه فلهما إذا كان القاذف مطالبا ثلاثة أحوال :  
أحدها : أن تكون الزوجة حاضرة وأمها غائبة فيحد للبنت إلا أن يلتعن ، ولا يقف على حضور الأم ، فإذا حضرت الأم حد لها ، وعلى قول  أهل  العراق       : إن حد للزوجة لم يحد للأم ؛ لأنهم يوجبون حدا واحدا ، وإن التعن من الزوجة حد للأم .  
والحال الثانية : أن تكون الأم حاضرة ، والزوجة غائبة ، فيحد للأم ، ولا يقف حدها على حضور الزوجة فإذا حضرت حد لها إلا أن يلتعن منها ، وعلى قول أهل العراق : لا يحد لها ولا يلتعن منها ؛ لأن الحد عندهم واحد فلم يوجبوا ثانيا وقد صار مجلودا في حد فلم يجز عندهم أن يلاعن .  
والحال الثالثة : أن تكونا حاضرتين مطالبتين فمذهب  الشافعي   أن الأم تقدم في المطالبة بحقها على البنت لأمرين :  
أحدهما : لقوة حقها ؛ لأن وجوب الحد بقذفها متفق عليه ، ووجوبه لبنتها وهي زوجته مختلف فيه .  
 [ ص: 40 ] والثاني : أنه ليس من الحد لها مخرج ، وله من وجوب الحد لزوجته مخرج باللعان ، فصارت بهذين أحق بالتقدم ، وقال  أبو علي بن خيران      : تقدم مطالبة الزوجة على مطالبة أمها ، ولهذا القول عندي وجه ؛ لأنه قدم قذف الزوجة على قذف أمها في قوله : يا زانية بنت الزانية فصارت لتقدم قذفها أحق بالتقدم ، فإن قدمت الأم في المطالبة فحد لها ثم طالبته البنت ، فإن أجاب في مطالبتها إلى اللعان التعن منها لوقته ، وإن لم يجب إلى اللعان حبس ولم يجلد لوقته حتى يبرأ جلده ثم يحد لها ، ولا يوالى عليه بين حدين فيفضي إلى التلف ، وهكذا لو قدمت الزوجة في المطالبة فإن التعن منها حد للأم لوقته ، وإن حد للزوجة ولم يلتعن منها لم يحد في وقته للأم ، وحبس لها حتى يبرأ جلده ثم يحد لئلا يوالى عليه بين حدين ، فإن قيل : أفليس لو قطع يمين يد من رجل ، ويسرى يد من آخر ، اقتصصنا من يمناه ويسراه لوقته ، وجمعنا عليه بين قصاصين وإن أفضى إلى تلفه ، فهلا كان في الحد كذلك ؟ قيل : الفرق بينهما من وجهين :  
أحدهما : أن الحد مقدر بالشرع ، فوجب الوقوف عليه لئلا يختلط بزيادة ، والقصاص مقدر بالجناية فجاز الجمع بينهما لأنه لا يختلط بزيادة .  
والثاني : أنه جمع بين القصاصين لأنهما قد يجتمعان في حق شخص واحد ، ولم يجمع بين الحدين ؛ لأنهما لا يجتمعان في حق شخص واحد ، والله أعلم .  
				
						
						
