مسألة : قال  الشافعي   ، رضي الله عنه : " ويفعلون مثل فعله إلا أنه أسر قرأ من خلفه وإذا جهر لم يقرأ من خلفه " قال  المزني   ، " رحمه الله : قد روى أصحابنا عن  الشافعي   أنه قال يقرأ من خلفه وإن جهر بأم القرآن ( قال )  محمد بن عاصم   وإبراهيم   يقولان : سمعنا  الربيع   يقول : ( قال  الشافعي      ) :  يقرأ خلف الإمام جهر أو لم يجهر بأم القرآن   قال  محمد   وسمعت  الربيع    [ ص: 141 ] يقول : ( قال  الشافعي      ) : ومن أحسن أقل من سبع آيات من القرآن قام أو صلى منفردا ردد بعض الآي حتى يقرأ به سبع آيات فإن لم يفعل لم أر عليه يعني إعادة . ( قال  الشافعي      ) : وإن كان وحده لم أكره أن يطيل ذكر الله وتمجيده والدعاء رجاء الإجابة "  
قال  الماوردي      : هذا كما قال اعلم أن الصلاة تشتمل على أفعال ، وأذكار ، أما الأفعال  فواجب على المأموم اتباع إمامه   فيها لقوله صلى الله عليه وسلم :  إنما جعل الإمام ليؤتم به  فأما  الأذكار   فتنقسم ثلاثة أقسام : قسم يتبع إمامه فيه ، وهو التكبير ، والتوجه ، والتسبيح ، والتشهد ، وقسم لا يتبع إمامه فيه ، وهو في السورة بعد الفاتحة في صلاة الجهر فينصت المأموم لها ولا يقرؤها ، وقسم مختلف فيه وهو قراءة الفاتحة ، فإن كانت صلاة إسرار وجب على المأموم أن يقرأ بها خلف إمامه ، وإن كانت صلاة جهر فهل يجب أم لا ؟ على قولين :  
أحدهما : قاله في القديم ، وبعض الجديد لا يلزمه أن يقرأ بها خلفه في صلاة الجهر ، وإن لزمه في صلاة الإسرار ، وهو في الصحابة قول  عائشة ،  وأبي هريرة ،   وعبد الله بن الزبير   ، رضي الله عنهم ، وفي التابعين قول  عمر بن عبد العزيز ،   وسعيد بن المسيب ،   والقاسم بن محمد ،   وفي الفقهاء قول  مالك ،   وأحمد   
والقول الثاني : قاله في الجديد والإملاء ، وهو الصحيح من مذهبه أن عليه أن يقرأ خلف الإمام في صلاة الإسرار والجهر جميعا ، وبه قال من الصحابة :  عمر   وأبي بن كعب ،   وأبو سعيد الخدري ،   وأبو عبادة بن الصامت   ، رضي الله عنهم ، ومن التابعين  سعيد بن جبير ،   وأبو سلمة بن عبد الرحمن ،   والحسن البصري ،   ومن الفقهاء  الأوزاعي ،   والليث بن سعد ،   وقال  أبو حنيفة :   لا يقرأ خلف إمامه بحال لا في صلاة الجهر ، ولا في صلاة الإسرار ، وبه قال من الصحابة  علي بن أبي طالب   ، كرم الله وجهه ،  وعبد الله بن مسعود   وزيد بن ثابت ،   وعبد الله بن عمر ،   وجابر بن عبد الله ،   رضي الله عنهم ، ومن التابعين  الأسود   ،  وعلقمة ،   وابن سيرين ،   ومن الفقهاء  الثوري      : استدلالا بقوله سبحانه :  وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون      [ الأعراف : 204 ] . والقراءة تمنع مما أمر به من الإنصات  
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ، :  إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا  فكان أمره بالإنصات نهيا عن القراءة  
وروى  جابر بن عبد الله   أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ رجل خلفه فنهاه آخر فلما فرغا      [ ص: 142 ] من الصلاة تنازعا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة  وروى  علي بن أبي طالب   ، رضي الله عنه ،  أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أأقرأ ؟ فقال : " ألا يكفيك قراءة الإمام  وروى  عمران بن الحصين      :  أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القراءة خلف الإمام ،  قال : ولأنها ركعة أتى بها على سبيل الاقتداء فوجب أن لا يلزمه فيها قراءة ، أصله إذا أدركه راكعا ، ولأنه لو لزمه القراءة لجهر بها كالإمام  
والدليل على وجوب القراءة خلف الإمام رواية  مكحول   ، عن  محمود بن الربيع   ، عن  عبادة بن الصامت      : قال :  كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة ، فلما فرغ قال : لعلكم تقرؤون خلف إمامكم . قلنا : نعم يا رسول الله . قال : لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها  وروى  أنس بن مالك   قال :  صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد العشاءين فقرأ بعضهم خلفه ، فلما فرغ قال : فيكم من قرأ خلفي . فقال بعضهم أنا . فقال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة إلا بها  وروى  سلمان الفارسي   قال : قلت : يا رسول الله ، قرأت خلفك فقال : " يا فارسي لا تقرأ خلفي إلا بفاتحة الكتاب  لأن من ساوى الإمام في إدراك الركن ساواه في إلزامه كالركوع ، ولأن من لزمه القيام بقدر القراءة لزمته القراءة مع الإمكان كالمنفرد ، ولأن من أدرك محل الفرض لزمه الفرض كالصلاة تلزمه بإدراك الوقت  
فأما الجواب عن الآية فمن وجوه :  
أحدها : أنها نزلت في الخطبة ، وهو قول  عائشة  ، رضي الله عنها ،  وعطاء   
والثاني : أن المراد بها ترك الجهر ، وهو محكي عن  أبي هريرة   
والثالث : قاله  ابن مسعود   قال : كنا نسلم بعضنا على بعض في الصلاة سلام على      [ ص: 143 ] فلان ، سلام على فلان ، فجاء القرآن :  وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا      [ الأعراف : 204 ] ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم وإذا قرأ فأنصتوا . فيحمل على أحد أمرين ، إما على ترك الجهر ، وإما على ترك السورة بعد الفاتحة ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم بعد الفاتحة ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم  من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة  ففيه جوابان :  
أحدهما : أن الكناية في قوله : " له " راجعة إلى الإمام دون المأموم ، لأنه أقرب مذكور  
والثاني : أنه يحمل على ما عدا الفاتحة ، وإذا أدركه راكعا ، وكذا الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : "يكفيك قراءة الإمام     "  
وأما حديث  عمران   أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن القراءة خلف الإمام ،  فيحمل على أحد أمرين ، إما على النهي عن الجهر ، وإما على النهي عن السورة ليصح استعمال الأخبار كلها  
وأما قياسهم عليه إذا أدركه راكعا فلا يصح ، لأن ذلك مدرك بعض ركعة وإن جعله الشرع نائبا عن ركعة لا سنة على أن المعنى فيمن أدركه راكعا أنه لما لم يدرك محل القراءة لم تلزمه القراءة ، وأما ترك الجهر فلا يدل على ترك الأصل كالتكبيرات يجهر بها الإمام ، وإن لم يجهر بها المأموم ، فإذا ثبت أن أصح القولين وجوب القراءة على المأموم ، فيختار له أن يقرأ عند فراغ الإمام منها ، لأنه مأمور بسكتة بعدها ليقرأ المأموم فيها  
روى  سمرة بن جندب   قال :  حفظت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتة بعد التكبير وسكتة بعد أم القرآن  
				
						
						
