مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله تعالى - : "  وأصل المعادن صنفان      : ما كان ظاهرا كالملح في الجبال تنتابه الناس ، فهذا لا يصلح لأحد أن يقطعه بحال ، والناس فيه شرع ، وهكذا النهر ، والماء الطاهر ، والنبات فيما لا يملك لأحد ، وقد سأل الأبيض بن حمال النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقطعه ملح مأرب فأقطعه إياه ، أو أراده فقيل له : إنه كالماء العد فقال : " فلا إذن " قال : ومثل هذا كل عين ظاهرة كنفط ، أو قير ، أو كبريت ، أو موميا ، أو حجارة ظاهرة في غير ملك أحد فهو كالماء ، والكلأ ، والناس فيه سواء " .  
قال  الماوردي      : وهذا صحيح ، والمعادن ضربان ظاهرة وباطنة ، فأما الباطنة فيأتي حكمها فيما بعد ، وأما الظاهرة فهو كل ما كان ظاهرا في معدنه يؤخذ عفوا على أكمل أحواله كالملح ، والنفط ، والقار ، والكبريت ، والموهبا ، والحجارة فهذه  المعادن الظاهرة   كلها لا يجوز للإمام أن يقطعها ، ولا لأحد من المسلمين أن يحجر عليها ، والناس كلهم فيها شرع يتساوون فيها لا فرق بين صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم ، مسلمهم وكافرهم ، روى  ثابت بن سعد   ، عن أبيه ، عن جده  أن  أبيض بن حمال   استقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملح مأرب فأقطعه ثم إن      [ ص: 492 ] الأقرع بن حابس التميمي   قال : يا رسول الله ، إني قد وردت الملح في الجاهلية ، وهو بأرض ليس فيها ملح ، ومن ورده أخذه ، وهو مثل الماء العد بأرض ، فاستقال  الأبيض   من قطيعته الملح ، فقال  الأبيض      : قد أقلتك منه على أن تجعله مني صدقة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هو منك صدقة ، وهو مثل الماء العد من ورده أخذه  وروت  نهيسة  ، عن أبيها أنه قال : يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : الماء ، قال : يا نبي الله ، ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : الملح قال : يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال : أن تفعل الخير خيرا لك ، وأنه ليس المانع بأحق من الممنوع  ، فاقتضى أن يكونا فيه سواء ، وإذا استوى الناس في المعادن الظاهرة ، فإن أمكن اشتراك الناس فيه عند الإجماع عليه ، وإلا لقدم الأسبق فالأسبق فإن تساوى مجيئهم ، فعلى وجهين :  
أحدهما : يقرع بينهم فمن قرع منهم تقدم .  
والوجه الثاني : يقدم السلطان باجتهاده من رأى ، فلو  أقام رجل على المعدن زمانا يتفرد به وبما فيه   نظر ، فإن كان مع تفرده به يمنع منه فمنه تعدى ، وعلى السلطان أن يرفع يده عنه ، وقد ملك ما أخذه منه ، وإذا لم يمنع غيره منه ففيه وجهان :  
أحدهما : أن يقر ما لم يكن في إقراره إدخال ضرر على غيره  
والوجه الثاني : يمنع ليلا بطول مكثه ويدوم تصرفه فينتقل عن حكم المباح إلى أحكام الأملاك ، وهذان الوجهان في هذين الفرعين من اختلاف أصحابنا : هل للسلطان استحقاق نظر فيها أم لا ؟ فلهم فيها وجهان .  
				
						
						
