فصل : فإذا تقرر ما وصفنا لم يخل حال من عليه الحق من أن يصدق الوكيل أو يكذبه ، فإن  كذبه على الوكالة   وأنكره فلا يمين عليه ، وعليه عند  أبي حنيفة   والمزني   اليمين لوجوب الدفع عندهما مع التصديق .  
ولا يجوز مع تكذيبه للوكيل أن يدفع إليه المال ، وإن  صدقه على الوكالة   لم يلزمه دفع المال إليه لما ذكرنا ، لكن يجوز له في الحكم أن يدفعه إليه ، فإن دفعه إليه وقدم صاحب الحق فلا يخلو حاله من أحد أمرين :  
إما أن يعترف بالوكالة أو ينكرها ، فإن اعترف بها برئ      [ ص: 553 ] من عليه الحق بالدفع سواء وصل الموكل إلى حقه من وكيله أو لم يصل إليه بتلفه .  
فإن أنكر الوكالة فالقول قوله مع يمينه ، فإذا حلف فله المطالبة بحقه ثم لا تخلو حالة حقه من أحد أمرين : إما أن يكون عينا أو دينا .  
فإن كان حقه عينا قائمة كالغصوب والعواري والودائع فكل واحد من القابض والدافع ضامن لها .  
أما الدافع فلتعديه بالدفع ، وأما القابض فليده عند إنكار توكيله ، ويكون ربها بالخيار في مطالبة من شاء بها من الدافع أو القابض سواء كانت باقية أو تالفة ، إلا أنها إن كانت باقية فله مطالبة القابض بها ومطالبة الدافع باسترجاعها وإن كانت تالفة كان له مطالبة أيهما شاء بالقيمة ، فإن طالب بها الدافع وأغرمه برئا ولم يرجع الدافع على القابض بغرمها لأنه مقر أن القابض وكيل بريء منها وأنه مظلوم بها ، وإن طالب القابض فأغرمه برئا ولم يرجع القابض على الدافع بغرمها لأنه مقر ببراءته منها وأنه هو المظلوم بها .  
فصل : وإن كان الحق دينا في ذمة الدافع فالدافع ضامن له لبقائه في ذمته ، وهل يكون القابض ضامنا له ويجوز لصاحب الحق مطالبته أم لا ؟ على وجهين :  
أحدهما وهو قول  أبي إسحاق المروزي   يكون ضامنا له ولصاحبه مطالبة أيهما شاء به لأنه مقر بقبض حقه .  
والوجه الثاني وهو قول  أبي علي الطبري   وأبي حامد الإسفراييني   رحمهما الله أن القابض غير ضامن له وليس لصاحب الدين مطالبة القابض به ؛ لأن دينه في ذمة الدافع ولم يتبين حقه في ما صار بيد القابض فلم يجز أن يطالب القابض به .  
فعلى هذا إذا رجع صاحب الدين وطالب من هو عليه بدينه واستوفاه منه نظر فإن كان ما دفعه إلى الوكيل قائما في يده رجع به .  
وإن كان تالفا لم يرجع به عليه بغرمه ؛ لأنه مقر بأنه وكيل برئ منها وأنه هو المظلوم بها والله أعلم بالصواب .  
				
						
						
