مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : " وليس على المفلس أن يؤاجر وذو العسرة ينظر إلى ميسرة " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال  إذا فضلت على المفلس ديون بعد قسمة ماله   لم يجز أن يؤاجر بها ، وقال  مالك   وأحمد      : يجب أن يؤاجره الحاكم بأجرة تقضى بها باقي ديونه استدلالا بما روى  ابن أبي أوفى   أن النبي صلى الله عليه وسلم باع سرقا في دين ، والحر لا تباع رقبته ثبت أنه باع منافعه ، وبما رويأن  عمر بن الخطاب   رضي الله عنه " أجر مفلسا "  وليس له في الصحابة مخالف ، ولأن القدرة على العمل كالقدرة على المال في تحريم الصدقة بهما ، فوجب أن يستويا في تعلق ديون المفلس بهما ؛ ولأن المنافع كالأعيان في ضمانها في العقد الصحيح بالمسمى وفي الفاسد بعوض المثل ، ثم إذا كانت الأعيان مبيعة على المفلس وجب أن تكون المنافع مبيعة عليه ، والدلالة على ما قلنا قوله تعالى :  وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة      [ البقرة : 280 ] فأمر بإطلاقه بعد الإعسار ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حجر على  معاذ   قال لغرمائه : "  خذوا ما وجدتم فليس لكم إلا ذلك     " وروي "  لا سبيل لكم عليه     " ، ولأن منافع الحر ليست بمال وإنما هي أسباب إلى تملك المال ، والإنسان لا يجبر على أسباب التمليك إذا أفلس كما لا يجبر على قبول الهبة والوصية وعلى خلع الزوجة ، فأما الجواب عن روايتهم أنه باع سرقا [ ص: 326 ] في دين فهو أنه منقطع لا يلزمنا الأخذ به ، ولو لزم لجاز أن يكون سرق عبدا باعه في دين سيده أو حرا أجره باختيار نفسه أو باعه في صدر الإسلام حين كان الشرع واردا في الحر بجواز بيعه ، وأما الجواب عن حديث  عمر   فهو أنه فعل ذلك باختيار المفلس ، وأما الجواب عن استدلالهم بأن القدرة على العمل كالقدرة على المال في تحريم الصدقة ، ففاسد بذات الروح في أن الروح تقوم مقام المال في تحريم الصدقة ولا تقوم مقامه في قضاء الدين وبالأبوين كالمال في تحريم الصدقة دون الدين ، ثم المعنى في الصدقة أنه يستبيحها المحتاج والقادر على الكسب غير محتاج ، وقضاء الدين يتعلق بالمال ، والقدرة على الكسب ليس بمال ، وأما الجواب عن الاستدلال بأن المنافع كالأعيان فهو أنها ليست بمال ، وإنما يجوز أن يصير في الثاني مالا ، ولو كانت مالا لوجب على غاصب الحر ضمان منافعه والله أعلم .  
				
						
						
